December 25, 2024

مهمة هوكشتاين.. قلق واستحالتان

يبدو، بحسب المعلومات المتوافرة عن زيارة الموفد الاميركي آموس هوكشتاين الاخيرة الى بيروت، أنه قَلِق من نوايا اسرائيل اكثر مما هو قلق من موقف لبنان والمقاومة فيه، بناء لما سمعه في تل ابيب قبل زيارة بيروت وما سمعه بعد انتقاله منها الى فلسطين المحتلة، حيث التقى وزير الحرب الاسرائيلي يوآف غالانت، الذي أسمَعه كلاماً واضحاً – بحسب الاعلام الاسرائيلي – بأنّ للدبلوماسية وقت قصير وانّ استخدام القوة وارد بقوة.

مع انّ الافكار او الاقتراحات التي حملها هوكشتاين الى بيروت ليست جديدة، والموقف اللبناني الذي سمعه ليس جديداً، لكن ثمة مفارقتَين طَبعتا زيارته الى بيروت: الاولى ما تردّد في اكثر من مكان انّ الاميركي يلعب منفرداً في الملعب الواسع الممتد من بيروت الى تل ابيب مروراً بجبهة الجنوب، بحيث ان الموفد هوكشتاين حصر موضوع تهدئة جبهة الجنوب بيد الراعي الاميركي الحصري لأيّ مفاوضات يمكن ان تحصل لاحقاً حول تثبيت الحدود البرية، كما كان الوضع خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية التي أثمَرت اتفاقاً بحضور «شاهد دولي» وحيد هو قوات اليونيفيل». وهذا يعني ان لا مجال لأي دولة اخرى في عرض اي حلول اخرى ولو كانت تنقل الرسائل والافكار والتحذيرات او التطمينات من هنا وهناك.

المفارقة الثانية، انه التقى وفدا من نواب المعارضة بداعي «سماع الرأي الاخر» وسمع منهم ما يرددونه في مواقفهم العلنية حول «حصرية السلاح بيد الدولة ونشر الجيش اللبناني في كامل منطقة جنوب الليطاني وتطبيق القرار 1701». ولا شك انه شدّ على ايدي النواب وتمنى عليهم مواصلة هذا الضغط السياسي على المقاومة ليتواكب مع الضغط السياسي الخارجي بهدف تحقيق فكرة «مهندس الحدود» الاميركي حول التهدئة في الجنوب وفقاً للبرنامج المُمرحل الذي حمله، والذي بات معروفاً ولا يتضمن اي تعهدات واضحة او تطمينات بتلبية مطالب لبنان.

لكن ثمّة مسألة اخرى لا تقل أهمية عن كل هذا تَمثّلت في أنّ الاميركي اقتنع خلال الزيارة الاخيرة وما قبلها باستحالتين: الاستحالة الاولى تراجع قوات المقاومة الى ما وراء شمال نهر الليطاني وتنفيذ ترتيبات أحادية من جانب لبنان فقط تُرضي اسرائيل ولا توفّر الضمانات لأمن لبنان وسيادته وتحرير ارضه. والاستحالة الثانية وقف العمليات العسكرية ضد مواقع الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب قبل وقف الحرب الاسرائيلية العدوانية الهمجية المدمّرة على قطاع غزة وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع. وبالتالي، استحالة عودة اي مستوطن اسرائيلي الى مستوطنته.

وعلى هذا غادر هوكشتاين بيروت الى فلسطين المحتلة على أمل إقناع الرؤوس الحامية فيها بتقديم تنازلات بما يُرضي لبنان، وقبل ذلك تحقيق الهدنة الانسانية ووقف اطلاق النار ولو المؤقّت في غزة كي يتوقف إطلاق النار في الجنوب. لكن بَدا من اجواء القاهرة حيث جرت المفاوضات حول تبادل الاسرى بين حركة «حماس» والكيان الاسرائيلي، انّ الاتفاق حول الهدنة الذي كان متوقعاً حصوله بين الامس واليوم لم يحصل نتيجة تَصلّب مواقف الطرفين، ما يعني ان مفاوضات تهدئة الجبهة الجنوبية ستبقى متعثرة حتى استئناف مفاوضات القاهرة التي ترددت معلومات صحافية خارجية تفيد أنّ وفد حركة «حماس» قد غادَرها للتشاور مع قيادتها حول استمرار المفاوضات أو وَقفها.

هذا الامر يؤكد مرة جديدة المؤكد، ان لا إمكانية اميركية واسرائيلية واوروبية لفصل ساحات «محور المقاومة» قبل وقف الحرب على غزة أولاً، وقد يجرّ هذا الامر الى مواقف أخرى للمحور تتعلق بانسحاب القوات الاميركية من العراق وشمال شرق سوريا إن لم يكن من كل الخليج، بحيث اذا توقّف القتال في ساحتي غزة وجنوب لبنان قد لا يتوقف في الساحات الاخرى. فكيف سيتصرف «مهندس الصفقات الاميركي»؟

المصدر :غاصب المختار – الجمهورية