كيف تتمكن “اسرائيل” من اغتيال قادة حزب الله؟.. بالتفاصيل
لم يكن المسؤول في حركة حماس صالح العاروري قد استخدم الشقة التي تم استهدافه فيها منذ ما قبل أشهر من بداية الحرب كونها شقة معروفة، ومحيطها السكاني يعلم بأن هذه الشقة تعود لحركة حماس، ولكنه عندما قرر الدخول إليها وعقد اجتماعات فيها تم استهدافه في اليوم نفسه، وفي تلك الحادثة الكثير من علامات الاستفهام حول “وسائل أمن” الرجل والتهاون فيها، ولكنها تؤكد أن اسرائيل لا تلغي أي هدف من جدول مراقبتها الدقيقة حتى لو استمر فارغاً لأشهر طويلة.
اليوم تتكرر الحادثة ولكن مع مسؤول لبناني بحزب الله، هو السيد محسن، واسمه فؤاد شكر، وهو يشغل المنصب العسكري الأعلى في الحزب حالياً، فالسيد لم يكن، بحسب المعلومات المتاحة لـ”الملفات”، قد قصد الشقة التي تم اغتياله فيها منذ فترة طويلة، وهي عبارة عن مكتب كان يستخدمه لعقد لقاءات واجتماعات، وعندما قرر قصدها الثلاثاء الماضي تم استهدافها واغتياله، وهو ما يطرح تساؤلات كبيرة حول كيفية وصول العدو الاسرائيلي الى قيادات حزب الله.
نفّذ العدو الاسرائيلي منذ بداية الحرب عمليات اغتيال كثيرة، في لبنان وسوريا، وصولا الى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران، وهذه نقطة سنعود إليها لاحقاً خلال البحث، فعلى صعيد لبنان، تمكن العدو من استهداف قادة كبار في الحزب أمثال وسام الطويل، وطالب عبد الله، ومحمد ناصر، وأخيراً فؤاد شكر، وغيرها الكثير من العمليات التي استهدفت عناصر فاعلة في المقاومة، ولكن هل نجحت اسرائيل بهذه العمليات بسبب وجود خرق أمني داخل الحزب؟
بحسب مصادر مطلعة لـ” الملفات” فإن اسرائيل نجحت خلال هذه الحرب بتنفيذ عمليات اغتيال مهمة، ولكن الحديث عن خرق أمني لقيادة المقاومة هو أمر مبالغ فيه، والسبب هو أن الحرب التي مرّ عليها عشرة أشهر لم تشهد سوى بضع عمليات اغتيال كبيرة، مع العلم أن المستهدفين وخاصة أولئك الذين استهدفوا قبل السيد محسن كانوا يعملون على الجبهات، وبالتالي هم لم يكونوا مختبئين، بل كانوا يعرفون أنهم في دائرة الاستهداف وخرجوا الى عملهم، ونجحوا بتفادي الاغتيال لأشهر قبل أن ينجح العدو بعمليته.
أما بخصوص كيفية معرفة العدو بهويات هؤلاء، فهنا تكشف المصادر أن هذه الفئة من القادة تعتبر من مؤسسي الحزب وبنيته العسكرية، وبالتالي هم معروفون منذ عشرات السنوات، كنا أن للحرب السورية دور كبير بذلك، فتلك الحرب كانت مغايرة تماماً لما اعتادت عليه المقاومة سابقاً، وبالتالي تمكن العدو الاسرائيلي من جمع الكثير من المعلومات والمعطيات خلال تلك الحرب.
إن عدم وجود خرق أمني داخل قيادة المقاومة، لا يعني أن عمليات الاغتيال بسيطة وسهلة، فالعدو بحسب المصادر من أكثر الأطراف تطوراً في العالم، وهو بكل تأكيد يمتلك وسائل تكنولوجية عالية المستوى تمكنه من المراقبة وتحديد الهدف والتنفيذ، وقد قيل الكثير عن البصمة الصوتية وتتبع الهاتف وحتى البصمة الحرارية للشخص، واختراق كامل داتا اللبنانيين واتصالاتهم الأرضية والخلوية وشبكات الانترنت وكاميرات المراقبة الموجودة في كل مكان وموصولة على الانترنت، ولكن هناك أيضاً وسائل أخرى، فعلى سبيل المثال تكشف المصادر عبر “الملفات” أن حتى شبكة الاتصالات الداخلية للمقاومة قد تعرضت سابقاً لخرق اسرائيل في بقع معينة في الجنوب، مشيرة إلى أن تلك الخروقات عولجت ولكن هذا لا يعني أن العدو سيتوقف عن المحاولة.
كذلك لا تخفي المصادر عبر “الملفات” دور العملاء على الأرض، ولو أنها تقلل من دورهم عندما يتعلق الأمر باغتيال قادة كبار، فجرائم الاغتيالات عادة تحتاج الى داتا معلومات كبيرة أولاً، والكثير من عمليات الرصد والمراقبة التي تمتد لسنوات، مشيرة الى أن الاعتماد على العملاء تقلص مع تطور التكنولوجيا، فاليوم مساحة لبنان بأكملها متاحة للعيون الالكترونية الاسرائيلية من خلال المسيرات المتطورة، والأقمار الصناعية العسكرية والمدنية الموضوعة بخدمة العدو الاسرائيلي، ولكن يبقى للعملاء على الأرض دور ما يلعبونه، إما بجمع بعض المعلومات حول أهداف محتملة، وإما بمراقبة المكان كل الوقت الى أن يدخله أحد، أو بتصوير المكان ومحيطه وأزقته وشوارعه لتفعيل طرق مراقبته جواً.
تؤكد المصادر أنه لو كانت قيادة المقاومة مخترقة أمنياً لكنا شهدنا ليس فقط عمليات اغتيال كالتي حصلت إنما استهداف لمراكز ونقاط حيوية واستراتيجية أساسية، وهو ما لم يحصل، ولكن ما تواجهه المقاومة اليوم من تطور تكنولوجي أكبر من يستوعبه العقل البشري، فالتطور في مجال تتبع حركة الاشخاص قد بلغ مستويات غير مسبوقة، واسرائيل تمتلك كل هذه الأدوات.
تحدثنا في بداية البحث عن عمليات الاغتيال التي حصلت خارج لبنان، وكلها كانت عمليات معقدة للغاية، وتحديداً تلك التي حصلت في سوريا لمسؤولين إيرانيين خلال عقدهم اجتماعات خاصة، فهل لذلك علاقة باختراق الحزب أمنياً؟
تقول المصادر بأن ذلك يؤكد أن اسرائيل تعول على تفوقها التكنولوجي في ملف الاغتيالات قبل أي شيء آخر. منذ بداية الحرب يحاول حزب الله مواجهة هذا التطور الاسرائيلي، بدءاً من وقف استخدام الهواتف الذكية، علماً أن الشخص اذا ما تخلى عن هاتفه ولم يفعل ذلك كل الدائرة المحيطة به فستكون النتيجة وكأنه لم يفعل شيئاً، مروراً باستعمال وسائل تواصل مربوطة بأقمار صناعية “الكثريا”، ووسائل اتصال قديمة مثل “البيجر” وهو جهاز اتصال لاسلكي صغير تم تطويره في الستينيات لأغراض الاتصالات الطارئة، ويعمل على مبدأ إرسال إشارات رقمية عبر المتردد اللاسلكي للشخص، وصولاً الى التواصل الشفهي المباشر، وقد ساهم ذلك بحسب المصادر بخفض نسبة عمليات الاغتيال، ولكنه لم يوقفها، فهذه الحرب الامنية، هي حرب ضمن الحرب، وهي مستمرة بين العدو الاسرائيلي وحزب الله.
المصدر : خاص موقع “الملفات” – محمد علوش