كومة حجارة ولا هالجارة
مضار الجوار ( كومة حجارة ولا هالجارة ):
” الجار قبل الدار ” عبارة تستعمل في اللغة العامية والشعبية المتداولة، أصبحت الهاجس لكل فرد من أفراد المجتمع، يرتعب من جاره قبل أن يتجرأ ويتملك أو يستأجر شقة سكنية أو مكتب أو محل تجاري أو عقار غير مبني،
” الجار قبل الدار ” فكرة أضحت من المسلمات الضرورية لراحة بال ربّ العائلة ولأفراد عائلته، يتسلح بها ويحاول الإستقصاء لمعرفة من هو ” الجار ” الشاغل لشقة مقابلة لشقته في نفس الطابق في الأقسام المفرزة في الأبنية المبنية، أو من هو ” الجار ” صاحب المحلات التجارية من سوبر ماركت أو مقهى أو ملهى ليلي على مستوى الشارع، كل ذلك بُغية أن يتجنب ” مضار الجوار ” أو ” أضرار الجار ” أو ” إقلاق الراحة” أو ” تعكير صفوة الجيرة “،
على الرغم من إتفاق الفقهاء وشراح القانون على أن المالك مقيد في إستعمال ملكه بعدم إلحاق أضرار غير مألوفة بجاره، وقيام مسؤوليته المدنية في حال مجاوزته لهذا القيد، إلا أنهم إختلفوا في تحديد الأساس القانوني الذي تبنى عليه هذه المسؤولية، وعلة ذلك أن المالك في هذه الحالة يستعمل ملكه في حدود حقه، دون أن يصدر منه تعدي على ملك جاره، أو تقصير في إتخاذ الإحتياطات اللازمة لمنع وقوع هذا الضرر، كما لا يقصد في إستعماله ملكه الإضرار بالغير، أو تحقيق مصلحة غير مشروعة، ومع ذلك تقوم مسؤوليته المدنية في حال مجاوزة المضار المترتبة على فعله الحد المألوف المتسامح فيه بين الجيران.
لا توجد في القانون اللبناني أحكام خاصة تتعلق حصرياً بمضار الجوار غير المألوفة أو عن الأضرار الناتجة عن إقلاق الراحة أو تعكير صفوة الجيرة وعن كيفية طرق المعالجة، فتم ذكرها في قانون الملكية العقارية وقانون الموجبات والعقود و قانون العقوبات و غيرها من القوانين،
لذلك كان لا بد من البحث عن أساس قانوني لهذه المسؤولية ضمن القواعد العامة، وقد إختلف الفقهاء في تحديد هذا الأساس القانوني، فذهب البعض إلى أن هذه المسؤولية تقوم على أساس شخصي (الخطأ) و، ذهب إتجاه ثانٍ إلى القول أن المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة تقوم على أساس موضوعي (الضرر)، في حين ذهب إتجاه آخر إلى إقامة هذه المسؤولية على أساس الإضرار (الفعل غير المشروع)، وأخيراً ذهب إتجاه رابع إلى أن أساس المسؤولية هو التعسف في إستعمال الحق.
لأجل تحديد معيار تطبيق نظرية مضار الجوار غير المألوفة، يجب البحث حول أربع حالات عامة وإعتماد الحالة الرابعة كونها الأمثل والأكثر تطبيقاً:
- التعسف في إستعمال الحق بوجه عام
- الخطأ الناتج للمسؤولية
- الخطر في حدوث الضرر
- مضار الجوار غير المألوفة ، وتشمل المالك والمنتفع والمستأجر وغيرهم من الجيران، وهو المعيار الواجب إعتماده لأن هذه النظرية هي مستقلة بحد ذاتها،
إذا ” مضار الجوار ” هو قصد الإضرار بالغير وقد تكرّس هذا الحق ضمن مفهوم الملكية العقارية، كأن يغرس المالك أشجاراً في أرضه، بقصد حجب النور والرؤية عن جاره، وكالمالك الذي يقيم حائطاً في حدود ملكه يستر النور ويمنع الهواء عن جاره دون نفع ظاهر له ،
أو كأن يرتكب المالك خطأ تقصيري في إستعماله لملكه، كالإهمال في تجنب جاره خطر الحريق فيشعل النار وهو في ملكه، لكن تسبب في إحداث حريق عند جاره،
أو كأن يقوم بإحداث ضجيج في منزله، فيقلق راحة جاره بهذا الضجيج،
أمثلة كثيرة عن ضرر الجوار لا يمكننا حصرها في أي أطروحة كانت.
أما مضار الجوار المألوفة، فهي لا يمكن تجنبها بين الجيران ولا بد من إستيعابها وتحملها، ولا يلزم الجار بالتعويض عن فعله هذا، فالضجيج والروائح والأبخرة الناتجة عن مصنع كائن في منطقة صناعية يكون ضرراً مألوفا، أما لو أقيم هذا المصنع في منطقة سكنية فإن الضرر يتحول الى غير مألوف.
بالختام، لا بد أن نقول أن هناك إلتزامات تترتب على الجار في علاقته بجيرانه مصدرها حسن الجوار وأساسها الأخلاق، إلا أن القانون قد يرقى بها الى مصاف الإلتزامات القانونية.
المصدر : الملفات – جميع الحقوق محفوظة لمكتب المحامي روجيه نافذ يونس للدراسات والإستشارات القانونية © 2023