عنف وموت محتّم.. وأنتِ الضحية!
العنف الأسري
يُعَدّ العنف ضدّ المرأة من أسوأ إنتهاكات حقوق الإنسان، إذ إن الآثار النفسية والجسدية التي يخلّفها قد تحدّ من طاقة النساء وطموحهنّ وقد تعرّضهنّ إلى موت محتّم أحياناً.
في لبنان كذلك، ما زالت النساء يتعرّضنَ إلى العنف بمختلف الطرق، وعندما تُغلق أبواب البيوت ليلاً، قد تتحوّل أيّ امرأة إلى ضحية في ظلّ غياب الحماية اللازمة والقوانين الرادعة الفاعلة والأهمّ الأعراف والتقاليد.
وبحسب التقرير السنوي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” حول الموضوع، فإنّ “النساء والأطفال ما زالوا يواجهون التمييز في ظلّ قوانين طائفية للأحوال الشخصية، وما زال زواج الأطفال والاغتصاب الزوجي مُشرَّعَين”، وأضاف أنّ “السلطات اللبنانية لم تفِ بإلتزاماتها بحماية النساء والفتيات من العنف وبإنهاء التمييز ضدّهنّ”، الأمر الذي يُعَدّ مؤشّراً إلى مزيد من الضحايا.
بتاريخ 7/5/2014 صدر قانون حَمَل الرقم 293 موضوعه ” حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري ” وقد رَمى هذا القانون الى تأمين الحماية لأفراد الأسرة من العُنف الذي قد يُمارس داخلها.
يشتمل القانون، على عناصر إيجابية مثل النَص الذي يُتيح للسيدة الحصول على أمر حماية من الشخص المسيئ، كما يدعو إلى إنشاء ملاجئ مؤقتة للناجين من الإساءة، وتخصيص نائب عام في كل محافظة لتلقي الشكاوى والتحقيق في حالات العنف الأسري، وإنشاء وحدات مختصة بالعنف الأسري في قوى الأمن الداخلي للتعامل مع الشكاوى،
ينقسم هذا القانون الى قسمين:
– قسم عقابي: يشدّد العقوبات على بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني في حال إرتُكبت بين أفراد الأسرة، ويجرّم العنف المعنوي و الاقتصادي.
– قسم حمائي: يشمل أمر الحماية الذي بإمكان الضحيّة طلبه بهدف إبعاد المُعنف عنها وعن أطفالها عبر إبعاده عن المنزل، أو نقلها مع أطفالها إلى مكان آمن.
وتجدر الإشارة إلى أخطاء شائعة لدى التحدّث عن العنف الأسري، وتحديداً قانون رقم 293 المعدل بالقانون رقم 204، مثل حصره بالعنف الممارَس من الزوج على زوجته فيما المذكور في القانون هو العنف الواقع بين جميع أفراد الأسرة، على سبيل المثال، العنف الممارَس من الأب على الأولاد الراشدين – بما أنّ القاصرين يشملهم قانون خاصّ (رقم 422) أو العكس، أي من الأولاد الراشدين على الأب أو الأم، أو العنف بين الأخوة، والأولاد بالتبنّي أو التكفّل، كما ويشمل أيّ شخص يتعرّض للعنف من قبل من له حق الولاية أو الوصاية عليه بالإضافة إلى أنه بعد التعديل أصبح يشمل العنف الممارس من الزوج السابق ( الطليق)،
إنّ هذا القانون لا يُجرّم فعل إكراه الزوجة على الجماع أو الإغتصاب الزوجي بحد ذاته، إنّما الضرب والإيذاء والتهديد الذي يلجأ إليه الزوج.
ولكي يُعاقب المعنِّف، يجب أن تتقدّم المعنفة بشكوى قضائية، وإن إسقاط الشكوى يوقف ملاحقة المعنِف.
لَعٍب القضاء اللبناني دورًا رياديًا أدى إلى إستكمال أحكام القانون وإلى تصحيح أبرز الشوائب الواردة فيه، وفي مقدمها تعريف العنف الذي يشمله القانون.
فهذا العنف لا يقتصر على حالات العنف التي خصها القانون بالذكر في مادته الثانية بل يشمل حالات أخرى لم يذكر القانون أيًا منها، أهمها حالات العنف المعنوي، ككيل الشتائم والتحقير، والاستيلاء على الأوراق الثبوتية والهاتف الخلوي ومنع الخروج من المنزل…إلخ
ومن هذه الزاوية، جاءت القرارات القضائية تقلب تعريف العنف رأسًا على عقب، بحيث أصبحت بمثابة رسالة مطمئنة إلى الهيئات النسائية والنساء والرأي العام بشأن قدرة القضاء على الإستجابة لعدد كبير من التحفظات أو المخاوف إزاء مدى فاعلية هذا القانون في حماية المرأة.
وهي رسالة تلتقي في عمقها مع الرسائل التي كان قضاة وجّهوها قبل صدور القانون من خلال إعلان سلسلة من المبادئ، كمبدأ سلامة الانسان فوق كل اعتبار، أو المواقف كإعلان التمسك بحماية النساء من العنف المعنوي، أو واجب القضاء بالاجتهاد لتأمين حماية فعلية في هذا المجال.