طرابلس تغرق في مشهدية الأمن المتفلت
في كل مرة تقع “جريمة” قتل أو سرقة أو إعتداء بالضرب تتحول شوارع طرابلس ومداخلها إلى ثكنة أمنية. ساعات ويعود المشهد على الأرض كما كان عليه قبل وقوعها.
المكتوب على صفحات يوميات عاصمة الشمال طرابلس لم يعد مخفيا على أحد. وهل ثمة من ينسى مشهد مصرع سائق سيارة الفان في منطقة الزهراني في طرابلس بسبب خلاف مع أحد المارة الذي كان يركب دراجة نارية على أفضلية المرور؟ ببساطة ترجل الأخير عن دراجته، فتح باب سيارة سائق الفان، وأطلق النار عليه وأصابه مباشرة في الرأس ليعود ويركب دراجته ويغادر المكان في ما تجمع عدد قليل من الناس في مكان الجريمة ونقلوا المغدور الذي فارق الحياة إلى المستشفى.
في العادة من شأن جريمة مماثلة أن تقلب صفحة نمط العيش في يوميات أبناء مدينة طرابلس أو على الأقل أن تتحول إلى ثكنة عسكرية 24/24. لكن لا هذه ولا تلك. والمريب في الأمر أن هذه “الفوضى الأمنية” تتكرر يوميا وفي ساعات النهار كما الليل من دون خوف أو رادع. وما حصل في الأمس يؤكد أن لا مكان للنوم بهدوء وسلام في طرابلس قبل تحرير أرضها من كل المجموعات المسلحة التابعة لشخصيات سياسية ودينية وأخرى نافذة.
في تفاصيل جريمة الأمس أن مجموعة مسلحة وصلت إلى أمام مكتب عقارات في محلة المعرض في طرابلس وقبل أن تنفذ المهمة، تلقفها مسلحون من داخل المكتب كانوا تبلغوا بوصول المجموعة المسلحة وعمدوا إلى إطلاق النار على افرادها مما أدى إلى وفاة الشاب ع.خ متأثرا بجراحه وإصابة ج.ص وشخص ثالث بجروح. وكما في كل مرة حضرت عناصر الجيش والأجهزة الأمنية إلى مكان الحادث وبدأت التحقيقات للوقوف على حقيقة الإشكال وخلفيات. وبحسب معلومات “المركزية” فإن صاحب مكتب العقارات عميد متقاعد ويرجح أن يكون مطلقو النار من “رجالات أمن حمايته الشخصية”.
إلى جرائم القتل، باتت طرابلس مرتعا لقوارب الموت والفارين بحرا إما من وجه العدالة إلى ما بعد بعد البحار أو بسبب الفقر والعوز. وتكاد مفاعيل الضائقة المعيشية لا تقتصر على جرائم القتل وإطلاق الرصاص بشكل عشوائي في الهواء مما يؤدي في غالبية الأحيان إلى سقوط قتلى أو جرحى، إنما تتجاوزها أشواطا في عمليات السرقة التي تعمّ مدينة طرابلس ليلا ونهارا وقد يلجأ المواطن بنفسه إلى إلقاء القبض على السارقين أو يقوم بعمليات بحث وتحر عن موجوداته مستعيناً ب”قبضايات” المنطقة، أو المجموعات المسلحة التابعة لزعيم سياسي أو حزبي. مما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول دور القوى الأمنية في هذه الظروف الصعبة؟.
النائب السابق مصباح الأحدب يؤكد أن ما ورد على لسانه في أحد المقالات الخاصة عن وضع طرابلس لا يزال ساري المفعول وأكثر. “فالدولة تحمي المجموعات المسلحة منذ عقود وإذا حصل وأوقفت الأجهزة الأمنية أحد أفرادها يصار إلى أطلاق سراحهم بعد أيام معدودة باتصال مباشر من “الزعيم الفلاني”. وهذا الواقع ليس مخفياً على أحد. وكلنا يتذكر كلام أحد كبار السياسيين في البلد عندما سُئل عن واقع القضاء حيث قال: “القضاء للضعفاء”. باختصار ما يحصل في طرابلس لجهة تحويلها إلى منصة متقدمة ليس إلا صورة لما سيكون عليه كل لبنان في ظل التفلت والفراغ الرئاسي الممتد منذ حوالى 6 أشهر”..
ما كشفه الأحدب أكثر من “عادي” في سيرة الدولة التي تحولت إلى ما يشبه “المارقة” ومسيرتها. ويقول” هذه الدولة تحديداً ليست غائبة وحسب، إنما هي مشاركة في عمليات السطو والفوضى والتفلت من خلال السماح بإعطاء تراخيص للسلاح الفردي وحماية المجموعات المسلحة التي تعمل تحت أمرة هذا الزعيم السياسي أو ذاك الحزبي. لبنان بأكمله تحول إلى جزيرة متفلتة، وطرابلس جزء من هذا التفلت”. ومجرد التطرق إلى مسألة الأمن الذاتي يقاطع ويجيب : “طبعا ليس الأمن الذاتي هو الحل لأن هناك مؤسسات أمنية ولنا ملء الثقة بها ويكفي أن يكون هناك قرار لتتحرك وتوقف المخلين بأمن طرابلس في غضون ساعات على أن يتم ذلك بطريقة سلسة لكن هذا لن يحصل ولو كان هناك قرار بضبط الأمن لحصل غداة معارك التبانة وجبل محسن.ال
وسط كل هذه المشهدية الأمنية تستمر الحياة في شوارع طرابلس ومؤسساتها”لكن الخوف يسيطر لأن الوضع الأمني متفلت ولا أحد يدري متى يحصل إطلاق نار أو عملية سلب أو جريمة قتل عينك بنت عينك. وطالما أن التحالف بين السلاح الشرعي والفساد موجود ستبقى عاصمة الشمال على هذا المنوال”.
المصدر : المركزيّة – جوانا فرحات