November 1, 2024
\

جريمة السرقة وأبرز أحكامها

جريمة السرقة وأبرز أحكامها – الجزء الأول

 

تأتي السرقة في جملة الجرائم الواقعة على الأموال، فتتعرّض للإنسان في ماله وممتلكاته، كالإحتيال وإساءة الإئتمان والإختلاس والتهويل والغش والتقليد وما إليها… وقد أصبحت بوتيرة أكبر ونطاق أوسع في الفترة الأخيرة بحيث أن معظمنا طالته، إن كان سرقة سيارته أودراجاته النارية أومنزله و غيرها…..

عالج المشترع اللبناني أحكام مختلف هذه الجرائم في المواد 635 الى 749 من قانون العقوبات، وأفرد بالنسبة للسرقة المواد 635 الى 643 منه.

السرقة، بتعريفها القانوني، هي أخذ مال الغير، المنقول، خفية أو عنوة، بقصد التملّك ( المادة 635 من قانون العقوبات اللبناني ).

  • ماهية الشيء موضوع السرقة:

لا يتكوّن جرم السرقة إلاّ إذا كان الشيء موضوعه متمتعاً بصفات معينة،

أوّلها أن يكون مالاً منقولاً، وثانيها أن يكون مالاً قابلاً للتملّك، وثالثها أن تكون ملكيته عائدة للغير، وإلاّ، وفي حال تخلّفت إحدى هذه الصفات على الأقلّ، فلا يُلاحَق الفاعل بجرم السرقة، إنما ربّما بجرم آخر قد ينطبق على فعله.

  • مال منقول: بمعنى أنّه شيء قابل للأخذ، أي للإنتزاع والنقل من مكان الى آخر، وبصرف النظر عن قيمته؛ فالسرقة قائمة، وإن كانت المسروقات تافهة أو ذات قيمة متدنية.
  • شيء قابل للتملّك: بمعنى أنّه، وبمعزل عن حالته أو شكله، ذا كيان مادي، بالإمكان تلمّسه وأخذه.

إشارة الى أن الفقه والإجتهاد يضعان الأموال غير المادية التي تأخذ شكلاً مادياً معيناً في مصاف الأموال المادية القابلة للتملك، وبالتالي، للسرقة. فإذا كانت سرقة الأفكار والحقوق مثلاً بحدّ ذاتها أمراً غير ممكن عملياً، كونها غير مادية وغير قابلة للتملك، فإن المستندات التي تحتوي مثل هذه الأفكار، والصكوك التي تتضمن إعترافاً بمثل هذه الحقوق، هي أشياء مادية قابلة للتملّك، وبالتالي، للسرقة (مع العلم أن الأشياء غير المادية بحد ذاتها، وإن كانت غير قابلة للسرقة، فإن “الإستيلاء” عليها هو أمر محظور، ويخضع للملاحقة والعقاب، وإنما تحت وصف جرمي آخر، غير السرقة).

والجدير بالذكر أن المشترع أنزل “الطاقات المحرزة”،  كالطاقة الكهربائية مثلاً، منزلة الأشياء المنقولة في هذا المجال، فإعتبر أن أخذها عنوة أو خفية، وبقصد التملك، يشكل جرم السرقة. فمن يُقدم مثلاً على سحب الكهرباء مباشرة من الخط العام الى منزله، ومن دون أن يجعلها تمر عبر العدّاد، يُعدّ مرتكباً لجرم سرقة الطاقة الكهربائية، ويُعاقب على هذا الأساس.

  • مال مملوك من غير السارق، سواء أكان صاحبه معروفاً أم لا. فإذا أقدم الفاعل على إستعادة شيء يملكه هو، عن طريق إنتزاعه خلسة أو عنوة من يد مُحرزه غير الشرعي، لا يُعدّ فعله سرقة، إنما قد يشكّل جريمة أخرى، كإستيفاء الحق بالذات مثلاً، أو الإحتيال، أو غير ذلك، وفقاً للظروف المرافقة له. وإذا كان الفاعل شريكاً في ملكية الشيء، بمعنى أنه يملك حصة معينة فيه، وأقدم على إنتزاعه كلّه وأخذه، فلا يعدّ سارقاً إلا بالنسبة للقسم الذي لا يملكه، أي بما يتجاوز مقدار حصّته.

إشارة الى أن هناك فئتين من الأشياء التي لا يُعتبر أخذها من قبيل السرقة، وهي أولاً، الأشياء غير المملوكة بعد من أحد، كالطيور والفراشات والحيوانات البرية مثلاً، طالما أنها طليقة وغير موضوعة في مكان مسيّج أو في حقل خاص؛ وثانياً، الأشياء المتروكة، أي تلك التي كانت مملوكة في السابق من أحد الناس، ومن ثم تُركت بصورة إرادية.

هنا يقتضي التمييز بين الأشياء المتروكة والأشياء المفقودة (الضائعة)، التي تاهت من يد أصحابها بصورة غير إرادية، ذلك أن أخذ الأشياء الضائعة يُعدّ سرقة، أما أخذ الأشياء المتروكة، فلا يعدّ كذلك. ويمكن إستنتاج نيّة الترك من نوعية الشيء وحالته وقيمته ومكان وجوده… إلخ. فإذا وَجَدَ شخص مثلاً خاتماً مرصّعاً بالألماس، مرمياً على جانب الطريق، فأخذه وإحتفظ به لنفسه، هنا لا شك في أنّ مالك الخاتم لم يتركه بصورة إرادية، وإنما أضاعه بالصدفة، فيُعدّ أخذه من قبل الشخص الآخر سرقة. أما إذا وجد شخص طاولة مكسورة مرمية في مكبّ للنفايات فأخذها وإحتفظ بها لنفسه بعد أن أصلحها مثلاً، فلا يعدّ فعله سرقة، لأن نية تركها من قبل مالكها السابق قد تجلّت فعلاً من الحالة التي كانت عليها، ومن المكان الذي وُجدت فيه.

 

  • أخذ الشيء وتملّكه:

السرقة، كما قلنا، هي أخذ مال الغير خفية أو عنوة؛ وهذا يعني أن يُقدم الفاعل على أخذ شيء لا يملكه بدون رضى صاحبه، إما خفية، أي بدون علمه، أو عنوة أي بعلمه ولكن بالقوة، كأن يلجأ الى العنف والتهديد.

أما إذا قام صاحب الشيء وبرضاه بتسليم مملوكه الى شخص ما لكي يقوم هذا الأخير بعمل ما مثلاً، أو بعد أن مارس هذا الأخير مناورات إحتيالية عليه ومن ثم إستولى عليها (هذا الأخير)، فلا نكون أمام سرقة، إنما أمام إساءة أمانة (في الحالة الأولى) أو إحتيال (في الحالة الثانية) فيما لو توفّرت باقي شروطها القانونية.

كذلك، لا نكون أمام سرقة إلا إذا تمّ نقل الشيء من حيازة صاحبه الى حيازة شخص آخر. فإذا إحتفظ الشخص بشيء مملوك من الغير، بعد أن كان هذا الشيء أصلاً في حيازته (أي معه)، لا نكون أمام سرقة إنما ربما أمام إساءة أمانة فيما لو توفّرت باقي شروطها القانونية.

وأخيراً، لا نكون أمام سرقة إذا لم تكن نية الفاعل تملّك الشيء المأخوذ، إنما مجرد إستعماله مثلاً؛ ففي هذه الحالة أمكن ملاحقة الفاعل بجرم إستعمال أشياء الغير بدون حق (المادة 651 من قانون العقوبات)، إذا تبيّن أن هذا الاستعمال قد تم بالصورة التي ألحقت ضرراً بمالك الشيء.

يــتبع ….

المصدر : الملفات