September 24, 2024
\

التهريب عبر الأحشاء.. الحكاية الكاملة!

خاص – موقع الملفات 

الشيطان، يقف حائرًا أمام دَهاء التجّار ومحاولاتهم المستميتة لإتمام صفقاتهم وأعمالهم على حساب جُثثٍ ما زالت تتنفّس وداخلٍ لبنانيّ مُهترئ. لهؤلاء، حيل تتبدّل وتتلوّن بشكل يوميّ، بحثًا عن ما هو أكثر ربحًا وأمنًا. وهل هناك من مكان آمن أكثر من أحشاء بشرية حوّلتها عصابات التهريب إلى حاويات لنقل وتهريب المخدرات من بلد إلى آخر؟

التهريب عبر الأجساد أو الأحشاء البشريّة، وسيلة ابتدعها أباطرة المخدرات منذ سنوات، ولا تزال قائمة ومستمرّة على مستوى دول العالم، لكن بتفاوتٍ نسبيّ من حيث حجم الكميّات وأنواعها. ولمن يتساءل عن علاقة لبنان بذلك، فللأخير حصّته في ظل النشاط المكثّف للعصابات الإجرامية، وفقًا لما تؤكدّه مصادر مواكبة لملفّ التهريب.

موقع “الملفات” يتقصّى في هذه السطور، خبايا “التهريب عبر الأحشاء”، بدءًا من البلاد الأمّ في أميركا الجنويبة حيث يساوي الكيلوغرام من الكوكايين الخام  5 آلاف دولار أميركي، وصولاً إلى لبنان ملعب المهربين، كما وصفته المصادر، ويُلاحق أدق التفاصيل لرسم صورة متكاملة لتلك العمليات التي يصعب ضبطها أمنيًا.

سيناريو التهريب

يبدأ السيناريو مع قيام إحدى شبكات التهريب الدولية للمخدرات باختيار المهرّب الذي غالبًا ما يكون أجنبيًا وتحديدًا من الجنسية البرازيلية، ويتراوح عمره بين 25 و35 عامًا، ثمّ يتم استقطابه إما مقابل مبالغ زهيدة أو ابتزازات وتهديدات بإيذاء أسرته، ليُصار بعدها إلى تجهيزه بدقة.

 كيف؟

يُمنع هذا الشخص منعًا باتًا من تناول الأطعمة والشراب ويصبح في حالة تشبه الصيام، وذلك لسببين، أوّلهما حتى لا تنقبض عضلات المعدة وتتكون عنده رغبة في الإخراج، والثاني خوفًا من انفجار الكبسولات داخل بطنه، خصوصاً وأنها تحتوي على نوعية ذات سعر مرتفع في سوق المخدرات، وبشكلٍ أساسي الهيروين أو الكوكايين.

يتم إدخال “الرزمة”، التي تصل زنتها إلى نحو كيلوغرام، إلى الأحشاء عن طريق الفم عبر الابتلاع أو فتحة الشرج من خلال عملية جراحية تُجرى في عيادات غير مرخّصة في تلك البلاد، ويُعطى بعدها حاملها أدوية تعمل على إبطاء حركة المواد عبر السبيل الهضميّ إلى أن يحين موعد استرجاع الرزمة، بحسب ما كشفَته مصادر طبية.

في هذه الأثناء، تكون الشبكة قد أنجزت عملية حجز تذكرة السفر والفندق، وتم الاتفاق مع التاجر اللبناني على موعد استلام البضاعة التي سيعمد فوراً إلى تصريفها بحوالي 36 ألف دولار أميركي لتاجر لبناني آخر، ليقوم الأخير بدوره بتصنيع المواد الخام داخل المعامل بشكل كيميائي وخلطها بالشوائب والمنشطات، فتُباع للزبون بحوالي الـ 100 دولار للغرام الواحد.

يُسافر المهرّب من بلاده بطريقة شرعية ليصل إلى الأراضي اللبنانية، فإما أن ينجح باجتياز المطار أو يُكشف أمره. وفي الحالة الأولى، يتوجّه مباشرة إلى الفندق، حيث يمكث حتى إخراج ما ابتلعه من سموم، وعادةً يحتاج الأمر إلى ثلاثة أو أربعة أيام، ليتلقّى بعدها اتصالًا من التاجر اللبناني يُبلغه خلاله بالزمان والمكان لإتمام عملية التسليم، والتي غالبًا ما تكون على مقربة من الفندق. وإذا تمّت العملية بنجاح، يُغادر الأراضي اللبنانية وكأن شيئًا لم يكن!

أما في الحالة الثانية، فالحكاية ليست بهذه السهولة، لاسيما أن تهريب المخدرات عبر دسّها في الحقائب أو الملابس أمر يسهل كشفه، إلا أن ابتلاعها على شكل كبسولات مصنوعة من مادة مطاطية وإخفاءها داخل الجسم يجعل الأمر أكثر تعقيدًا. واكتشافها بحسب مصدر أمني مطّلع، يتطلّب إما الاستعانة بماسح ضوئي وتقنيات متطورة لرصد الأجسام الغريبة داخل الأحشاء في حالات الاشتباه، أو دقّة عالية في دراسة ملفات المسافرين ذوي الحركة غير العادية وتركيز شديد على الطائرات الآتية من بلدان معينة، وحنكة أكبر من الأمنيين لفهم لغة الجسد، إذ تبدو على المشتبه بهم بعض علامات الاضطرابات الناتجة عن الخوف الشديد، بالإضافة إلى آثار الإجهاد والتعب الشديد وآثار جفاف الفم الذي تصدر منه رائحة كريهة.

ليلة السقوط

هذه الوقائع تشي بتحدٍ حقيقي يُواجه الأمنيين الذين يحاولون قدر الإمكان ضبط المجرمين بفضل إخبارية من هنا أو هناك، وسط غياب فاضح للأجهزة والمعدّات المستخدمة في عمليات الكشف والتفتيش. ولا تسألوا من اليوم ولاحقاً: لماذا لا يأتون بالحل؟ اسألوا: من المستفيد؟، إذ يتضح أكثر أنه من مصلحة طرف ثالث ما آلت اليه أحوال الأجهزة الأمنية.

أما ما ذُكر أعلاه فليس خفيًّا عليهم ولعلّ سلسلة التوقيفات التي تمّت خلال الأشهر الفائتة وأدت إلى إحباط 4 عمليات تهريب لشبكة دولية تنشط بين لبنان والبرازيل فضلاً عن الإطاحة بأحد التجار اللبنانين، خير دليل على ذلك.

العملية الأخيرة، بحسب معلومات موقع “الملفات”، مكّنت مكتب مُكافحة المخدرات المركزي في وحدة الشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي من كشف النقاب عن كل ما خُفي في السابق. وتعود تفاصيلها إلى ورود معلومات عن عملية جديدة يتم تجهيزها، وبعد مُتابعة دقيقة وتعاون دولي توصّل المعنيون إلى تحديد وقت وتاريخ وصول المشتبه به إلى مطار بيروت، وبناءً عليه وبعد التنسيق مع سرية درك المطار والجمارك، جرى توقيفه وسط تكتّم شديد من المعنيين بغية التوصّل إلى كشف هوية الرأس الكبير.

ليتبين فيما بعد أن العمليات الثلاث مرتبطة بالأخيرة، وقد نُفّذت بالطريقة ذاتها. وما عزّز من صحة ذلك، أقوال واعترافات الموقوفين التي اجتمعت في مرمى ابن إحدى العائلات الشهيرة في هذا “الكار”، والذي تمّ الإيقاع به واستدراجه بكمين محكم إلى موقع استيلام البضاعة، ظنًا منه أن المهرّب بانتظاره، كما جرى في العمليات السابقة، فكان عناصر المكافحة بالمرصاد وعلى مقربة من أحد الفنادق في بيروت حيث تمّ توقيفه بالجرم المشهود، فيما العمل جاري على تحديد هويّات جميع أفراد الشبكة.  

في الخلاصة، يتضح أن ملفّ تهريب المخدرات عبر الأحشاء عاد ليتصدّر المشهد ويطفو على سطح الأحداث والمتابعات الأمنيّة، فالقضية لم تنتهِ بمجرد إحباط أربع عمليات، ومن المحتمل أن تتوصّل التحقيقات إلى مزيدٍ من الحقائق المخفيّة، شرط عدم الاختباء وراء أصابع العجز، وإلاّ سلامٌ على بلدٍ للفساد فيه قيمة مضافة.

المصدر : خاص – موقع الملفات