December 23, 2024

أين “الشيك دولار” من “الاحتياطي الفيديرالي”؟

لا يزال مصرف لبنان يجهد باللحم الحيّ، في إصدار القرارات والتعاميم من أجل الحدّ من الانهيار النقدي والمالي الحاصل والذي لا يحرّك أركان الدولة المنهمكين والمنهَكين باستحقاقات دستورية لا تزال عالقة في حبال المصالح الداخلية والإقليمية والدولية، تنتظر تسويات لن ترشح حلاً.. أقله على المدى القريب.

فكان أن أصدر بتاريخ 19 نيسان 2023 تعميماً جديداً حمل الرقم 165 يتعلق بعمليات التسوية الإلكترونية العائدة لـ”الأموال النقدية”. فبعد التوسّع في تداول الشيكات الـ”فريش” أو ما تُعرف به في الأسواق بـ”الشيكات النقدية” عبر المصرف الواحد، بات من الضروري والملحّ تنظيم عملها، وقوننة تبادلها عبر مصرف لبنان…
ووفق التعميم يُقصد بـ”الأموال النقدية” الأموال التي حُولت من الخارج و/أو تم تلقّيها أوراقاً نقدية (Banknotes) بالعملات الأجنبية بعد تاريخ 17/11/2019 والأموال المودَعة أو التي ستودَع أوراقاً نقدية (Banknotes) في حسابات جديدة بالليرة اللبنانية… كما طلب من المصارف كافة فتح حسابات جديدة بالأموال النقدية  بالدولار الأميركي والليرة اللبنانية، لاستخدامها حصرياً في تسوية التحاويل المصرفية الإلكترونية الخاصة بـ”الأموال النقدية”، وتسوية مقاصة الشيكات التي يتم تداولها بـ”الأموال النقدية”… على أن “يعود لكل مصرف تحديد قيمة إيداعاته في الحسابات الجديدة شرط أن يتوافر على الدوام الرصيد اللازم لنجاح عمليات التسوية”.

لكن هذا التعميم الذي أعاد من جديد نظام المقاصة المحلي بالدولار، دونه محاذير على رغم الإقرار بطابعه الاستثنائي في ظل الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد باعتراف دولي جامِع…
ففي العودة إلى  الثمانينات كانت عمليات مقاصة “الشيك دولار” تمرّ إلزامياً عبر النظام الاحتياطي الفيديرالي، الأمر الذي يراه المصرفيون الطريقة الأمثل والأكثر أماناً المفترض اعتمادها تفادياً لما حصل في السنوات الأخيرة من دمار مالي أحدثته قنبلة العام 2019 ولا تزال شظاياها ساخنة في الجسم المصرفي إلى اليوم.

هذا التعميم على دقّته التنظيمية، أثار علامة استفهام كبيرة على الساحة المصرفية، لكون هذه الآلية التي طرحها مجدداً، سبق أن أثارت زوبعة الدولارات الوهميّة وخلقت هذا الجوّ الضبابي القائم المدجّج بالشكوك والقلق.

مصدر مالي متابع يقرأ في سطور التعميم، ويعتبر أن “من الأنسب بعد كل تلك الخضات النقدية والمالية التي مرّت بها البلاد في السنوات الأخيرة، تجنّب المقاصة الداخلية التي تخلق دولارات وهميّة، والمرور بالنظام الاحتياطي الفيديرالي حيث الدولار الفعلي والحقيقي. وبالتالي لا يجوز اعتبار ودائع المصارف لدى مصرف لبنان التي هي أموال المودِعين، أصبحت من الماضي ليبدأ نظام مقاصة جديد!”.

ويذكّر بأن “الأمور كانت أكثر بساطة قبل ذلك، إذ كل مَن كان يريد الدفع عبر شيك بالدولار الأميركي، يذهب إلى مصرفه ويحصل على شيك مصرفي يصدر في أحد البنوك في الولايات المتحدة. ويقوم المستفيد من الشيك بإيداعه في مصرفه لتحصيله. ثم يرسله المصرف عن طريق البريد للإيداع في البنك المراسل في الولايات المتحدة، ويمرّ الشيك من خلال نظام المقاصة في بنك الاحتياطي الفيدرالي المحلي ليتم صرفه… ليستغرق الأمر حوالي شهرين. طويل جدًا! … ولكنه آمن جدًا في ذلك الوقت”.

ويُضيف: لكن ما حدث لنظام المقاصة المحلي بالدولار الأميركي، أن استمر في النمو المضطرد حتى وصل إلى مستويات لا تصدَّق في تشرين الثاني 2019 حين اكتُشف أنها كانت وهميّة.

“هل نُعيد اليوم السيناريو ذاته؟!” يسأل المصدر المالي، ويشير إلى أن  “لدى المصارف أموال بالدولار الأميركي في حسابات مصرف لبنان. إنها دولارات حقيقية تريد المصارف استعادتها كونها أموال تعود إلى المودِعين وليست ملكها”، ليختم: لا يمكن نسيان هذه الأموال والانتقال إلى نظام موازٍ آخر يكرّر الأول ذاته الذي قادنا إلى هذه الفوضى!

 

المصدر : المركزيّة – ميريام بلعة