December 22, 2024

شبهات وتساؤلات.. أموال “تيك توك” بين الجنس الخاص وعصابات تبييض الأموال

قضايا “تيك توك” و”التيكتورز” وفضائح المال والدعارة والاغتصاب، قد خفت وهجها إعلامياً في الفترة الأخيرة، لكن وهجها الأمني والقضائي لا يزال في أعلى مستوياته، ومن يتابع هذا الملف الذي افتُتح بقضية اغتصاب قاصيرين وصل اليوم إلى شبهات بجرائم أخرى ومشتبه بهم بقضايا منفصلة ومختلفة. وعلى ما يبدو، أن القضية التي عُرفت بـ “الهيرزون” فتحت الأبواب وحرّكت المعنيين أمنياً وقضائياً للبحث أكثر في هذه المنصة، وما يخرج عنها ومنها ويدور حولها، ولكن هذه المرة من بوابة تبييض الأموال، وما يتعلّق بالتحقيقات التي يجريها فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي حول شبهات عمليات تبييض أموال تجري عبر حسابات مؤثّرين على المنصة، وصل عددهم إلى الـ 25 شخصاً منهم من أُطلق سراحه رهن التحقيق، ومنهم من أُبقي عليه موقوفاً بتهم أخرى. ما سُرّب إعلامياً كان صادماً، فعلى ما يبدو أن ما يُحكى عن أن بعض “التيكتورز” تحوّلوا إلى “مليونيرات” ليس كلاماً في الخيال، إنما حقيقة، إذ إن هناك مثلاً مؤثّرة في الثالثة والعشرين من عمرها جرى توقيفها، تبيَّن أنَّها جمعت من خلال “تيك توك” وحده نحو 3,5 ملايين دولار بعدما حصدت فيديوهاتها عشرات ملايين المشاهدات. هذه الفتاة واحدة من عشرات جمعوا أموالاً طائلة من خلال دعم المؤثرين، رُسمت حولهم علامات استفهام أمنية، ما دفع بالشك والعمل على التدقيق بحسابات البعض لتبيان ما إذا كان هناك عمليات مشبوهة لجهة القيام بإعادة تحويل الحوالة المالية التي تُقبض لصالح مشبوهين بعمليات غسيل الأموال تحدث عبر أوجه عدّة، حيث يمنح الداعم أموالاً خارج الأمر القانونية إلى المدعوم ويتفقان على تقاسمها أو نيل كل واحد منهما حصة معينة، أو ربما ما هو أخطر كالانخراط بشبكات منظمة لتجارة الجنس أو المخدرات أو السلاح. في الواقع، إن مقاربة الأمر والتدقيق في عملية انتقال الأموال من المصدر إلى المستهلك ومكان التوظيف أمر دقيق جداً، حتى يتم التثبّت من توفّر شروط جرم تبييض الأموال بعناصره القانونية كافة، لذلك قد يكون من الصعب وضع جميع من يحصلون على أموال طائلة عبر المنصة في هذا الإطار، لأن أسباب الدعم قد تكون خاصة وبهدف إنشاء علاقات خاصة وشخصية فقط. وهنا، يعتبر خبراء قانونيون في حديث لـ” الملفات”، أن القول إن جميع عمليات تحصيل الأموال الكبيرة تصبّ في خانة تبييض الأموال، هو أمر غير مقنع بشكل عام، فمن يقوم بهذه العملية هي شركات كبيرة ورأسماليين كبار، وبالتالي لا يمكن أن تكون حججهم لمصدر الأموال مستندة إلى الداعمين على المنصة، لأن المبالغ التي تُرصد فيها ليست على قدر أهمية ما تقوم به عصابات تبييض الأموال والمخدرات وتجارة الأسلحة والدعارة والتي تكون بعشرات ملايين الدولارات. بالرغم من ذلك، لا ينفي الخبراء توافر هذا الجرم عبر المنصة، ولكن بشكل خفيف جداً، وذلك لأن التعريف القانوني ومصادر هذا الجرم المحدّدة في القانون لا تنطبق على هؤلاء، الذين بمعظمهم يقومون بتفاهات تُقلّل من قيمتهم الاجتماعية لقاء حفنة من الدولارات. ويشرح الخبراء، أن عملية تبييض الأموال هي أن يقوم شخص ما بتأمين سند قانوني لأمواله لا لعملية صرفه، أي يقوم أحدهم بفتح مشروع كبير مثلاً ليُبرر مصدر المال الذي يمتلكه، أما عمليات الصرف كالتي يقوم بها الداعمون على منصة “تيك توك” فلا يمكن وصفها بدايةً بأنها تبييض أموال. لكن، هناك استثناء، قد يجعل من عملية صرف الأموال بداية مسار عملية تبييض الأموال، إذ يوضح الخبراء القانونيون أن هذا الأمر يتحقّق عندما يتم استخدام “تيك توك” لأعمال غير مشروعة وتشكيل عصابات للاتجار بالبشر أو الجنس أو المخدرات وغيرها، بما معناه، أن يتم دفع الأموال تحت شعار الدعم بهدف اصطياد أشخاص أو أطفال، ومن ثم الاتجار بهم، وبعد هذه المرحلة تُصبح الأموال الناتجة عن الاتجار بهؤلاء فيما بعد هي أحد مصادر تبييض الأموال وينطبق عليها هذا الوصف، وبالتالي هكذا تكون قد اكتملت السلسلة. ويؤكد القانونيون أن “تيك توك” كما جميع المنصات التي أصبحت جميعها مرتعاً للكثير من الجرائم، تحتاج إلى علاج على مستوى تطبيق القانون لمنع أي مظاهر مخلّة بالآداب أو فيها تعدّي على حرمة المجتمع، أو جرائم جنائية أخرى، وبالتالي فإن كل هذه التطبيقات تحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى رقابة وإلى أن يقوم القضاء بواجباته لردع المخلّين وضبط أمن المجتمع. إذاً، في ظل الاستخدام الواسع لوسائل التواصل الحديثة ارتفعت نسبة الجرائم بشكل غير مسبوق. ونتيجة لهذا النمو السريع ظهر وجه سلبي تمثّل في نشوء أنواع جديدة من التعدّيات على حقوق الغير والمجتمع، لم تلحظها القوانين، الأمر الذي جعل مرتكبي الأفعال الجرمية بمنأى عن العقاب في بعض الحالات بسبب فقدان الرادع القانوني المناسب. وهذا يعني ان السلطة التشريعية اليوم معنية بشكل أساسي وقبل أي شيء بتطوير هذه القوانين وخلق أخرى جديدة، ودعم مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وتطويره وإمداده بالتقنيات اللازمة، وذلك لمواكبة هذه “الفورة” التي أصبحت اليوم تأخذ مساحة كبيرة في عالم الجريمة. المصدر :خاص – موقع “الملفــــات”