الزواج الديني أم المدني؟
الزواج المدني في لبنان، هو مشروع قديم كان وما زال يُطرح في مجلس النواب منذ أكثر من نصف قرن، وكان وما زال يُجابه بالرفض من قبل رجال الدين، مسلمين ومسيحيين، ومن قبل السياسيين على إختلاف مشاربهم، حتى ليُقال إنّ هؤلاء المنقسمين على كل المواضيع توحّدوا لرفض تشريع وإقرار قانون “الزواج المدني”. نصّت المادة 10 من القرار 60/ل.ر. (المعدلة بالمادة 1 من القرار 146 تاريخ 18 تشرين الثاني سنة 1938) التي يستند اليها منظّمو الزواج المدني في لبنان على ما يلي: “يخضع السوريون واللبنانيون المنتمون الى الطوائف المعترف بها ذات الأحوال الشخصية لنظام طوائفهم الشرعي في الأمور المتعلقة بالاحوال الشخصية ولأحكام القانون المدني في الأمور غير الخاضعة لهذا النظام. يخضع السوريون واللبنانيون المنتمون الى طائفة تابعة للحق العادي وكذلك السوريون واللبنانيون الذين لا ينتمون لطائفة ما للقانون المدني في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية. أما الاجانب وإن كانوا ينتمون الى طائفة معترف بها ذات نظام للأحوال الشخصية فإنهم يخضعون في شؤون الاحوال الشخصية لأحكام قانونهم الوطني”. يُفهم من صياغة الفقرة الثانية من المادة 10 المذكورة أنّ تطبيقها يستوجب توفّر الشرطين التاليين: أن يكون اللبناني الراغب في الزواج مدنياً غير منتمي لأيّة طائفة، وأن يتضمّن التشريع اللبناني قانوناً مدنياً يتعلق بالأحوال الشخصية. لا يوجد في لبنان “قانون مدني يتعلّق بالأحوال الشخصية”، وإنّ هذه المادة ترعاها بصورة حصرية وإلزامية القوانين الطائفية المذهبية؛ وثانياً إنّ الأحوال الشخصية لا تتناول فقط الزواج ومفاعيله بل هي تضمّ شريحة واسعة من الحقوق والموجبات اللصيقة بشخص الإنسان، كالإسم والبنوة والتبني والأهلية والوصاية والإرث (عند الطوائف المحمدية بإعتبار أنّ غير المحمديين يخضعون في لبنان لقانون إرث مدني صادر في 23/6/1959). من هنا القول إنّ شرطي المادة 10 فقرة (2) هما مترابطان وبالتالي غير متحققين في ظل النظام التشريعي القائم، إذ لا يوجد لبناني لا ينتمي إلى طائفة ويخضع لقانون مدني متعلّق بالأحوال الشخصية، وبالتالي فإنّ “الزواج المدني المعقود في لبنان” إنما بُني على إستحالة قانونية، وبتعبير آخر بُني على نفي أو إنعدام قانوني. إستناداً الى المادة 10 من القرار رقم 60/ل.ر. تاريخ 13/3/1936 الذي “يقرّ نظام الطوائف الدينية” والصادر عن المفوض السامي الفرنسي دي مارتيل تمّ تنظيم، في شهر تشرين الثاني من العام 2012 أول عقد زواج أمام الكاتب العدل في لبنان ما بين نضال درويش وخلود سكرية، وإنقسمت الآراء حول قانونية هذا الزواج، في كل ما إعترضه من عقبات وأهمها رفض قيّده في قلم المديرية العامة للأحوال الشخصية من قبل السلطة المختصة التي أحالت المسألة الى وزير الداخلية. في شهر نيسان من العام 2013 وبناء لإستشارة صادرة عن هيئة الإستشارات في وزارة العدل بناء على طلب من وزير العدل، تمّ قيّد زواج سكرية ودرويش بإعتبار أنّ زواجهما قانوني ووافق وزير الداخلية آنذاك العميد مروان شربل على قيده. الخطوة التي قام بها الوزير السّابق مروان شربل، إنما أقدم عليها، لاعتبارات عدّة، منها إعتراف الدولة اللبنانيّة بالزواج المدني الذي يعقد في الأراضي الأجنبيّة وتسجيله مع إعطائه كافة المفاعيل القانونيّة، في خطوة تدلّ على أنّها تعترف بطريقة غير مباشرة بالزواج المدني. وقد إستند إلى آراء مجموعة من القانونيين والحقوقيين، بعدما أوكلهم دراسة القضية منذ عقد زواج خلود ونضال ومن مختلف جوانبها وإجراءاتها، ودرست الهيئة الاستشاريّة في وزارة العدل والمؤلفة من 3 قضاة (شيعي – مسيحي – سني)، الملفات والأسئلة التي طلبت الداخلية إستيضاحها والتي إستعان بها وزير العدل آنذاك المحامي شكيب قرطباوي لأخذ رأيها، وأصدرت تأييداً للقرار رقم 6 ر.م. الصادر عام 1936 الذي ينظم الأحوال الشخصيّة. بتواريخ لاحقة جرى تنظيم عدة عقود زواج أمام الكاتب العدل لكنّها لم تسجّل في قلم المديرية العامة للأحوال الشخصية بسبب تمنّع وزراء الداخلية المتعاقبين عن إعطاء الموافقة على هذا التسجيل. وقد إزدادت في الآونة الأخيرة ظاهرة الزواج المدني “أونلاين” على الأراضي اللبنانية، من خلال الإستعانة بقاض من ولاية يوتا الأمريكية، ويبدو أن هذه الظاهرة والحالات التي شملتها بدأت تواجه مشكلة الإعتراف بها وتسجيلها من قبل المديرية العامة للأحوال الشخصية في لبنان. من هنا من يرغب بالزواج مدنياً عليه أن ينقل الى بلد أجنبي يشرّع مثل هذا الزواج، وبسبب عدم وجود قانون ينظّم الزواج المدني في لبنان، يتحتّم تطبيق القانون المدني حيث مكان عقد الزواج في الخارج، وفق الصيغة المحدّدة في البلد الأجنبي، مع كافة مفاعيله، أيّ لناحية البنوّة الشرعيّة والطلاق، فالزواج المدني المعقود خارج الأراضي اللبنانيّة، لا يعدّ مخالفاً للنظام العام، وذلك سنداً للمادة 25 من القرار رقم 60 ل.ر”، كما يسجّل في قيود النفوس وسجلات الأحوال الشخصية اللبنانيّة، وأنّه عملاً بالمادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة، فإنّ المحاكم اللبنانيّة المدنيّة، تختصّ بالنظر في النزاعات الناشئة عن الزواج المدني الذي عقد في بلد أجنبي بين لبنانيين إثنين أو بين لبناني وأجنبي بالشكل المدني المقرّر في قانون ذلك البلد، إن إقرار قانون “الزواج المدني” فهو مطلب شريحة كبيرة من اللبنانيين بإعتباره من أبسط حقوقهم على الدولة وعلى السلطة التشريعية التحرك لتنظيم الزواج المدني إسوة بالدول الأجنبية، لأنه من غير المنطق أن نجد الدولة اللبنانية في هذا الموضوع تتنازل عن حقوقها تجاه فئة من مواطنيها وتُلزمهم بالرضوخ الى قوانين أجنبية تتناقض وسيادة الدولة. نخلص الى أننا لسنا بصدد تفضيل الزواج المدني على الزواج الديني أو العكس، لأنه بإعتقادنا أن الإنسان المؤمن بدينه لن يرضى بالخضوع الى غير الإحتفالية الدينية في زواجه ومن ينظر الى الزواج كإلتزام بموجبات مقابل تمتع بحقوق بالإتفاق مع الفريق الآخر قد يختار الزواج المدني لأنه سيكون الأقرب الى تأمين حريته دون قيد أو شرط. المصدر : الملفات – جميع الحقوق محفوظة لمكتب المحامي روجيه نافذ يونس للدراسات والإستشارات القانونية © 2023