وسائل إجرامية قاتلة.. بصورة سرية أو بمساعدة أطباء
يُعَدّ الإجهاض موضوعًا قانونيًا مثيرًا للجدل في معظم دول العالم ومنها لبنان. ومتى أثير هذا موضوع، رافقه النقاش حول حق المرأة في تحديد مصير حملها واختيار الإجهاض. في ظل اختلاف الآراء الكبير وعدم الإجماع على ما إذا كان الإجهاض هو حق للمرأة أم جريمة وسط المناقشات القانونية والأخلاقية والاجتماعية والدينية، نرى أن القانون اللبناني لا يزال حتى اليوم يحظر الإجهاض في لبنان باستثناء حالات معينة، ويجرم هذا الفعل ويعاقب الفاعل، مما يدفع بعدد لا يُستهان به من النساء للجوء إلى وسائل غير آمنة للتخلّص من الحمل بصورة سرية أو بمساعدة أطباء يُتاجرون بهن ويستغلوهن. الإجهاض بين الوسائل والعقوبة بالعودة إلى قانون العقوبات اللبناني، لا تعاقب المرأة التي تُجهض فقط، لا بل يُعاقب أيضًا كل من قام بالدعوة بالكلام أو الصراخ سواء جهر بهما أو نقلًا بالوسائل الألية بحيث يسمعهما في كلا الحالين من لا دخل له بالفعل،أو بالكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها إذا عُرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو بيعت أو عُرضت للبيع أو وزعت على شخص أو كثر يقصد منها نشر أو ترويج أو تسهيل استعمال وسائط الإجهاض بالحبس من شهرين إلى سنتين وبالغرامة من مئة ألف إلى خمسماية ألف ليرة. ويُعاقب بالعقوبة نفسها من باع أو عرض للبيع أو اقتنى بقصد البيع مواد معدة لإحداث الإجهاض أو سهل استعمالها بأي طريقة كانت. ويُعاقَب كل من يُجري عملية إجهاض أو يُساعد على إجرائها بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. ومع ذلك، يُسمح بالإجهاض إذا كانت حياة الأم في خطر نتيجة الحمل أو إذا تم تشخيص الجنين بتشوهات خلقية جسدية أو عقلية خطيرة. في هذه الحالات، يُسمح للمرأة بإجراء الإجهاض بشكل قانوني. وقد تُجهض المرأة بنفسها من دون تدخّل شخص آخر أو بتدخل شخص آخر برضاها أيا كانت الوسيلة، فتعاقب حينها بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات . أما من يقدم على إجهاض امرأة أو محاولة إجهاضها بأي وسيلة كانت برضاها، يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وإذا نتج عن الإجهاض أو الوسائل التي استعملت في سبيله إلى موت المرأة، حينها يشكل فعله جناية يعاقب عليه بالأشغال الشاقة من أربع إلى سبع سنوات. وتشدد العقوبة وتكون من خمس سنوات إلى عشر سنوات إذا نتج الموت عن استخدامه وسائل أشد خطرًا من الوسائل التي رضيت بها المرأة. وقد يعتبر البعض أن من يجهض امرأة من دون رضاها هو قاتل ويجب ملاحقته بجريمة القتل، غير أن جريمة القتل لا تقع إلا على إنسان حي. ولكن هذا لا يعني أن الفاعل لن يعاقب، لا بل على العكس جرم القانون هذا الفعل وعاقب عليه بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل، ولا تنقص العقوبة عن عشر سنوات إذا أفضى الإجهاض أو الوسائل المستعملة إلى موت المرأة. تساهل القانون مع المرأة التي أجهضت جنينها بحيث تستفيد من عذر مخفف متى كان سبب إجهاضها المحافظة على شرفها. ولكن تساهل القانون مع أشخاص آخرين ليس في محله ويشجع على الجرائم تحت ستار الشرف وهو ما يجب تعديله ومنعه تمامًا، حيث يستفيد من العذر المخفف من يقدم على إجهاض امرأة للمحافظة على شرف إحدى فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية. الإجهاض غير الآمن وأرقام وفيات مخيفة بمعزل عن الواقع القانوني للإجهاض، نحن أمام واقع معيشي وأزمة اقتصادية تعمّ البلاد وأمام حالات اغتصاب عديدة ينتج عنها حالات حمل غير مرغوب بها. نحن أمام نساء تلجأ لوسائل غير آمنة وغير قانونية للإجهاض كإدخال أدوات حادة عبر المهبل إلى داخل الرحم، أو استخدام مواد سامة مثل المبيضات، أو الاعتماد على مستحضرات عشبية داخل المهبل، أو إحداث صدمات مؤلمة على الجسم بالضرب على البطن أو السقوط، أو أخذ الأدوية لا سيما في ظل التفلت في ملفات الأدوية، وهو أمر خطير يُهدد حياتهن وقد يؤدي إلى العقم أو الوفاة. ونحو 45 بالمئة من حالات الإجهاض عالمياً غير آمنة، وتموت أكثر من 22 ألف امرأة وفتاة سنوياً بعد الإجهاض غير الآمن. نحن اليوم، أمام أطفال يتم رميهم في حاويات الزبالة، وأمام أبواب الأديرة والجوامع وتحت الجسور. نحن أمام جرائم أكبر من الإجهاض تُرتكب بحق الأطفال الذين لم يرغب بهم أهلهم، أو لم ترغب بهم من حملت بهم لأسباب عديدة. وأمام هذين الواقعين، برأيكم هل يجب تعديل القانون بحيث يكرّس حق المرأة بالإجهاض بمعزل عن السبب ضمن ضوابط صحية آمنة وبإشراف طبي، أم يجب تشديد العقوبات على هذه الجريمة وملاحقة كل من يتستر ويساهم بهذا الفعل وإنزال أشد العقوبات بحقه؟ المصدر : خاص موقع الملفات – المحامية جويل نجيم