اللحظات الأولى للكابوس الأسود: نظريات وفوضى وإجراءات سريعة
كالكابوس المخيف بدأت القصة، على الجسر الذي يربط طريق المطار بالحازمية، ويمر فوق شوارع الضاحية وأحيائها، بدأت عبر تسجيل صوتي أرسله أحد الأصدقاء يتحدث فيه عن حدث غريب على أوتوستراد السيد هادي نصر الله، “كل 20 – 30 متر هناك شخص مرميّ بالأرض مضرجاً بدمائه”، كان المشهد مخيفاً وخيال المواطنين يحاول فهمه. قناص ومسيرة وإشكال حزبيّبالتزامن مع التسجيل الصوتي الأول، إتصال هاتفي من الجنوب وفيه وقوع إصابات في بلدتي، مترافقاً مع زحمة سير أقفلت الطريق على الجسر، وسيارة تقف على جانب الطريق، بابها مفتوح، محاطة بمواطنين، وسائق تسيل منه الدماء، ومشهد على أوتوستراد هادي نصر الله، من أعلى الجسر، كفيلة بتبيان حصول حدث جلل. مجموعات كثيرة تحوم فوق جريح، هنا وهناك، صراخ وأبواق سيارات، وحتى تلك اللحظة لا أحد يعلم بما حصل فعلاً، والكل يسأل، فكانت النظرية الأولى بوجود “قناصين على أسطح الأبنية يصتادون الشباب”، قال أحدهم، ولكن سقطت النظرية مباشرة بعدما وصلت أخبار الإصابات في الجنوب والبقاع، ومن ثم كانت نظرية أخرى تقول أن “الموساد” موجود داخل الضاحية وينفذ عمليات اغتيال لأشخاص محددين وبالتزامن، وبعدها رواية أخرى تقول أن المسيرات الإسرائيلية تطلق الرصاص على المواطنين، أما الرواية الأفضل فكانت من نصيب رجل أكد أن ما يجري سببه إشكال بين حزب الله وحركة أمل. لم يكن تحليل النظريات متوافقاً مع ما نراه على أرض الواقع، ولكن لم يكن من الوارد تخيل السبب الرئيسي، فهذه الأجهزة تُستعمل بسبب خطورة الأجهزة الإلكترونية الأخرى. بعد دقائق بدأت حقيقة الكابوس تتظهّر، “أجهزة “البايجر” تتفجّر بأيدي الشباب”. فوضى هلع ونقل جرحىبدأ حجم الكارثة يظهر بوضوح مع التنقل بين شوارع الضاحية، وكثرة الأخبار التي تتحدث عن إصابات من بيروت الى البقاع والجنوب وصولاً الى سوريا، وعلت أصوات أبواق السيارات المحمّلة بالجرحى وأليات الإسعاف، والناس في ذهول. توالت الإتصالات وكثُرت، فالكل يُريد الإطمئنان على ناسه وأهله، رغم الدعوات لعدم استعمال الهواتف المراقبة من قبل العدو الإسرائيلي حتماً، ولكن المشاعر تخطّت الحذر الأمني، فما حصل للآلاف خلال التفجيرات أصاب عشرات الآلاف من الأهل والعوائل والأصدقاء والزملاء. إجراءات اللحظات الأولى بعد 10 دقائق من بدء الكارثة، تحركت آليات الجيش اللبناني وعناصره في شوارع الضاحية، وفرض أمن حزب الله طوقاً أمنياً حول بعض مراكزه، وقرب المستشفيات، وسُيّرت المواكب الأمنية السيّارة التي استمرت حتى ساعات متأخرة من ليل الثلاثاء الأسود. كما اتّخذت قيادة حزب الله، بحسب مصادر متابعة، سلسلة إجراءات فورية، أولها بطبيعة الحال التخلي عن أجهزة البايجر، حتى تلك البعيدة، والتخلي أيضاً عن أجهزة إلكترونية أخرى تُستعمل في كشف المسيرات من أجل التأكد منها بعد الكارثة، وتُشير المصادر عبر موقع “الملفات” الى أن من بين الإجراءات إرسال سيارات الإسعاف التابعة للهيئة الصحية إلى الحدود اللبنانية السورية لنقل الإصابات من سوريا الى مستشفيات لبنان، مشددة على أن اللحظات الأولى للكارثة شهدت أيضاً قراراً بالتوقف عن استعمال أي نوع من أنواع الإتصالات المعروفة داخل الحزب. كان الاهتمام خلال اللحظات الأولى منصباً على أمرين، تقول المصادر، الأول هو ما يتعلق بالجبهة، علماً أن حاملي “البايجر” من المقاتلين على الجبهة أعدادهم قليلة جداً، فهذه الأجهزة تُمنح عادة للعاملين في القطاع التنفيذي بالحزب، داخل المكاتب بشكل أساسي، حيث كان القرار بالتحضر لأي عمل عسكري إسرائيلي، قد يكون ضمن خطة الهجوم التي بدأت بتفجير الأجهزة، وتم التواصل والتنسيق أيضاً مع حركات المقاومة في الجنوب لنفس الغاية، والأمر الثاني يتعلق بتقديم الدعم اللامحدود للقطاع الطبي، وإطلاق حملات التبرع بالدم، من أجل العناية بالجرحى. على المستوى القيادي كانت اللحظات الأولى صعبة للغاية، وبعد فهم طبيعة ما حصل بدأ البحث بما بعدها، والقرار الأول بحسب المصادر كان أيضاً متعلقاً بالجبهة، مشيرة الى أن القيادة عممت على المسؤولين في الحزب عدم الدخول في تفاصيل العدوان وعدم إعطاء أي موقف. بطاريات مفخخة عندما ظنّ الجميع أن الأمور انتهت، دوت أصوات انفجارات في الضاحية وغير مناطق بعد ظهر الأربعاء، فكان الخبر الأولي أن البايجرات القديمة تتفجر، ليتبين بعدها أن أجهزة لاسلكية من نوع أيكوم هي التي تنفجر، وآثار انفجارها كانت أقوى من انفجارات البايجر، وبحسب معلومات “الملفات” فإن الأجهزة بحد ذاتها لا مشكلة فيها، إنما المشكلة كانت ببطاريات الأجهزة حيث كان الحزب قد استقدم شحنة بطاريات ليثيوم منذ أشهر من أجل ضمان استمرار الأجهزة لفترات أطول، وكانت تلك البطاريات مفخخة، وقد أدت الانفجارات لاستشهاد ما يزيد عن 20 وجرح حوالي الـ 500 آخرين. المصدر : خاص “الملفات” – محمد علوش