من الجنوب إلى جبل لبنان.. بالاعترافات والتفاصيل
خاص – موقع الملفات مسرح جرائمهم مُتنقّل غير ثابت، من قضاء إلى آخر ومواقع جغرافية متنوعة عمدًا، بُغية طمس الوقائع وعدم إثارة الشبهات، أما طريقة التنفيذ من الألف إلى الياء تُخفي في طياتها عملاً منظماً لشبكة عنكبوتية يُتقن كل فرد من أفرادها دوره بحرفية تامة. البداية كانت، مع ازدياد السرقات وتحديداً سرقة الدراجات النارية من سائر المناطق اللبنانية. تُضبط شبكة تنبُت أخرى، وهكذا دواليك، إلّا أن هذه العصابة تختلف عن سابقاتها، عملها السرقة صحيح، إلا أن هدفها من المبالغ المالية المستحصلة مختلف تمامًا. فنحن هنا لسنا أمام شبّان ارتطموا بقعر الانهيار وتحت وطأة الجوع والعوز، إنما أمام جيّاع على استعداد للقيام بأي شيء، مهما كان الثمن فقط لتأمين جرعة قاتلةٍ ولو كان ثمنها أن يتعفّنوا في جحيم السجون. في التحقيقات السابقة، نشرنا عمليات ابتدعها المجرمون، واليوم يكشف موقع “الملفات” النقاب عن تفاصيل الإيقاع بإحدى الشبكات التي اختارت قضاء النبطية وبلداتها مرتعًا لجرائمها، ونسلط الضوء على ما كشفته التحقيقات مع أفرادها الذين بلغ عددهم 11 شخصًا. خيوط جرائمهم، بدأت تتكشّف بفعل ثلاثة عناصر، العنصر الأول تمثل بيافطة عُلّقت من قبل أهالي بلدة تول وحاروف في الجنوب، تكشف هوية اثنين من اللصوص فضلاً عن مجموعة صور تعود لهما وزعت على كافة أبناء المنطقة بغية تسهيل عمل الأمنيين في تحديد هويتهما وتوقيفهما قبل أن يرتفع رصيد سرقاتهما. اللّصّان هما بحسب المعلومات، “ح.ف” و”م.ن”، من أصحاب السوابق ومن مدرسة خرّيجي “الحبوسة والزعرنات”، يخرجان من السّجن ويعودان إليه في كل مرة.العنصر الثاني، كان فيديو مصوّر، انتشر في عربصاليم في النبطية، يُظهر 3 شبان يسرقون دراجة نارية، وقد تم التعرّف على أحدهم وهو نفسه مرتكب السرقة الأولى “ح.ف”، أما الثاني فهو “ح.ع”، فيما الثالث هويته كانت مجهولة آنذاك. أما العنصر الثالث، تولين وهي إحدى القرى اللبنانية في قضاء مرجعيون – محافظة النبطية. تحدّها من الشرق قبريخا، أحد أبنائها سُرقت دراجته النارية منذ مدة، إلا أن القدر شاء أن يصادف دراجته وعلى متنها السارق وذلك أثناء توجهه إلى العمل في منطقة عربصاليم، لم يستطع الأخير أن يضبط أعصابه فلحق بالسارق وتمكن من إيقافه، فسلّمه الأخير الدراجة وفرّ مسرعًا. لم يمرّ هذا الموضوع مرور الكرام في حسابات الأمنيين، وتحديدًا مديريّة النبطيّة الإقليميّة في أمن الدولة التي كانت شبه متأكدة بوجود علاقة بين السرقات، وبعد تكثيف التحريات والاستقصاءات اللازمة حول ما يجري في القضاء وتقاطع المعلومات مع أكثر من جهة ومسح ميداني أجرته المديريّة، الشكوك باتت مؤكّدة ومحسومة. عمليات الرصد والمراقبة بدأت واستمرت لأيام طويلة، المسح الميداني بأسلوب متخفّي ومتقن كان سيد المشهد لأكثر من خمسة عشر يومًا، فهؤلاء لديهم الخبرة في اخذ الحيطة والحذر، إلا أن القرار اتخذ للإطاحة بهم كون المعنيين على علم ودراية بأن توقيف هؤلاء سيكشف النقاب عن العصابة بكاملها وأكثر من ذلك. عملية التوقيف لهؤلاء الثلاث تمت وبنجاح من دون أي أضرار أو إصابات في الأرواح، فالمعنييون استخدموا لهذه العملية الأسلوب المدني وكذلك الأمر بالنسبة للسيارات، وذلك منعًا لأي اشتباكات في المنطقة أو مع أبنائها في حال قرر أحدهم مساعدة المجرمين أو تسهيل فراراهم. وهكذا كرّت سبحة التوقيفات، والاعترافات كانت كفيلة لكشف باقي المتورطين، حيث وصل عدد الموقوفين إلى 11 شخصاً، اعترفوا جميعًا بقيامهم بسرقة درّاجات ناريّة 21 منها تمّ ضبطها وبتعاطي المخدّرات أيضاً، كما تبيّن وجود مذكّرات توقيف غيابيّة صادرة بحقهم، من قبل الجهات القضائيّة المختصّة، فأُجريَ المقتضى القانونيّ في حقّهم. وكما ذكرنا أعلاه هذه العصابة تختلف غاياتها كليًأ عن سابقاتها، وهذا الأمر مثبت باعترافاتهم، بحيث أن كلّ السرقات التي تمّت، لا علاقة لها بالتهريب للخارج أو التحضير لأعمال مخلة بالأمن بل أتت بهدف الحصول على المال لشراء المخدّرات فقط لا غير، ففي كل مرة يريدون شراء السموم والمواد المخدّرة ولا يملكون المال يخططون لسرقة دراجة وبيعها مقابل شراء حاجاتهم. اعترافات هؤلاء أكدت للأمنيين صحة شكوكهم، فالموقوفون وهم في العشرينات من العمر، تبين أنهم يشكلون عصابة لبنانية أو بالأحرى شبكة عنكبوتية كل فرد فيها لديه مهامه الخاصة، يتعاونون لإتمام عملياتهم بنجاح، فهناك من يتولى مهمة التخطيط وآخر الرصد والمراقبة، وهناك من يسرق ومن يسوق ومن يبيع. أما اللافت، فهو ما سنأتي على ذكره حاليًا، معظم السرقات كانت تتم في ضوء النهار غير آبهين بأحد، يختار هؤلاء الفريسة إما بعد مراقبة ورصد دامت لأيام لصاحبها ومكان إقامته، فضلاً عن المكان الذي يترك فيه دراجته لساعات وحتى للحظات، أو يقع الاختيار عليها بالصدفة أثناء مرورهم من المنطقة، والتأكد أن عمليتهم ستتم من دون أن يتمكن أحد من توقيفهم أو اللحاق بهم. الدراجة تُسرق من منطقة وتُباع لمنطقة أخرى، أي تُسرق من بلدات النبطية وتباع في بنت جبيل وبيروت وحتى جبل لبنان، والعكس صحيح تمامًا، فالدراجات التي تُسرق من بيروت وجبل لبنان تباع في النبطية. جميع هذه الدراجات من دون أوراق ثبوتية، تُباع بأسعار متدنية جدًا مقارنة بسعرها الحقيقي، اذ يصل سعر الدراجة المسروقة إلى 200 و300 دولار وأحيانًا أقل، إذا كان البائع “محروق” ، حيث أن عملية البيع تتم مباشرة بعد السرقة، وبالتالي الاستفادة من السرقات هي الثلث تقريبًا فيما الخسائر الكبيرة هي من حصة أصحاب الدراجات. على سبيل المثال، من كل 10 آلاف دولار يستفيد هؤلاء بـ 3 آلاف دولار. وبالانتقال إلى الشاري فهو متورط وشريك رئيسي بالجريمة “مش واحد منضحك عليه”، كيف؟ الحديث هنا ليس عن مواطن عادي إنما عن شريك في العصابة يشتري كميات من الدراجات المسروقة ويعمد إلى بيعها في النطاقات المذكورة أعلاه. وبعد التقصّي، تبيّن أن سارق تولين يُدعى “ح.ع”، تم توقيفه فورًا، والمفارقة هنا أن الموقوف ليس مجرد سارق، إنما تربطه صلة قربى بالرأس المدبّر لشبكة تولين، وهو “ع.د”، إذ إن اعترافات “ح.ع” كانت كفيلة بكشف المستور. “ع.د” اشترى حوالي الـ20 دراجة من العصابة المذكورة أعلاه وعمل على بيعها في منطقة تولين بقضاء مرجعيون، أما الدراجة المسروقة والتي تسببت بتوقيف حسيب، تبين أن عباس قد اشتراها من أفراد شبكة حاروف وتول، فهؤلاء يعملون على سرقة الدراجات وبيعها لعباس، وبالتالي جميع هذه المعطيات تؤكد أن الموقوفين يشكّلون عصابة موزّعة على المناطق والأقضية. إذا حصيلة هذه العملية 9 موقوفين من النبطية و2 من مرجعيون، ووفقًا للتهم الموجهة إليهم لا تقل مدة السجن عن ثلاث سنوات، على الأمل أن يخرجوا من بعدها تائبين. أما القضية فلم تنتهِ هنا أو عند هؤلاء، فهناك عصابتين قيد المراقبة والملاحقة والعمل جارٍ لتوقيفها. المصدر : خاص – موقع الملفات