May 20, 2025

من عين الحلوة إلى صور… تفكيك السلاح الفلسطيني يبدأ

منذ نكبة عام 1948، شكّلت المخيمات الفلسطينية في لبنان ملاذًا للّاجئين، ومع مرور الوقت، تحوّلت إلى مراكز للنشاط السياسي والعسكري. تاريخ السلاح الفلسطيني في هذه المخيمات يعكس تداخلًا معقّدًا بين الدفاع عن القضية الفلسطينية والتحديات الأمنية والسياسية في لبنان.

بدأ تسليح الفلسطينيين في لبنان بشكل منظم بعد توقيع “اتفاق القاهرة” عام 1969، الذي منح منظمة التحرير الفلسطينية حق إدارة المخيمات وتنظيم العمل العسكري ضد إسرائيل انطلاقًا من الأراضي اللبنانية. هذا الاتفاق جاء في ظل ضعف الدولة اللبنانية آنذاك وتعاطف شعبي مع القضية الفلسطينية. ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، أصبحت المخيمات الفلسطينية طرفًا في الصراع، مما أدى إلى توتر العلاقات مع بعض الأطراف اللبنانية. تفاقم الوضع بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، الذي استهدف الوجود الفلسطيني المسلح وأدى إلى خروج منظمة التحرير من بيروت.

بعد خروج منظمة التحرير، بقيت بعض الفصائل الفلسطينية تحتفظ بسلاحها داخل المخيمات، معتبرةً إياه وسيلة للدفاع الذاتي في ظل غياب الدولة اللبنانية عن هذه المناطق. ومع ذلك، أدى هذا الوضع إلى توترات داخلية، أبرزها “حرب المخيمات” بين عامي 1985 و1988، التي شهدت مواجهات دامية بين الفصائل الفلسطينية وبعض القوى اللبنانية.

السلاح الفلسطيني في لبنان كان له دور مزدوج، فمن جهة، ساهم في إبقاء القضية الفلسطينية حية في الوجدان العربي، ومن جهة أخرى، أدى إلى تعقيدات سياسية وأمنية أثرت على صورة الفلسطينيين في لبنان، لذلك فإن التحديات المرتبطة بالسلاح داخل المخيمات لا تزال قائمة، مما يستدعي معالجة هذه القضية بما يحفظ حقوق اللاجئين ويضمن استقرار لبنان.

بحسب مصادر سياسية بارزة، يُعَدُّ ملف السلاح الفلسطيني في المخيمات اللبنانية من القضايا الشائكة التي تعود إلى الواجهة، خصوصاً مع زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت، حيث تأتي هذه الزيارة في ظل ضغوط دولية، لا سيما من الولايات المتحدة، على لبنان لمعالجة هذا الملف، وتأكيدها على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.

تُشير المصادر إلى أن الرئيس عباس عبّر عن التزامه بسيادة الدولة اللبنانية، مؤكدًا أن “لا يحق لنا استعمال السلاح في لبنان”، كما أشار إلى أن قرار السلاح الفلسطيني في لبنان يعود إلى السلطات اللبنانية، وأن الفلسطينيين في لبنان هم “ضيوف” يلتزمون بقوانين الدولة المضيفة، ولكن رغم المواقف الرسمية، يبقى الواقع الميداني معقدًا. ففي مخيم عين الحلوة، على سبيل المثال، تتواجد فصائل متعددة، منها حركة “فتح”، “حماس”، “الجهاد الإسلامي”، وجماعات أخرى خارجة عن السيطرة. هذا التنوع يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق شامل بشأن السلاح داخل المخيمات، تقول المصادر، مشيرة إلى أن العمل سيبدأ بشكل تدريجي انطلاقاً من المخيمات الواقعة في الجنوب، وتحديداً في جنوب الليطاني.

وتكشف المصادر عبر موقع “الملفات” أن حركة فتح حاضرة للتعاون في كل مكان تمتلك فيه نفوذ، وهي بدأت باتخاذ إجراءات فعلية على الأرض في مخيمات صور، مع التشدد لكل المنظمين فيها بعدم حمل واستخدام السلاح، محذرة من أنها ستعمد إلى تسليم أي فلسطيني يستخدم السلاح إلى الاجهزة الأمنية اللبنانية، وذلك بعد قرار الدولة اللبنانية الصارم بضبط وسحب سلاح هذه المخيمات التي انطلقت منها صواريخ استخدمت لضرب مستوطنات إسرائيلية بعد قرار وقف إطلاق النار في لبنان، وكادت تؤدي إلى عودة الحرب.

كذلك يبدو أن حركة حماس لن تكون بعيدة عن هذه الإجراءات، وذلك بعد التحذير الذي وجهته الدولة اللبنانية للحركة بمنع استخدام الأراضي اللبنانية في أي عمل عسكري من أي نوع كان، وبحسب المصادر فإن الدولة اللبنانية تأمل من خلال عملية سحب سلاح المخيمات أن تكسب المزيد من الوقت لحثّ الإدارة الاميركية على الضغط على إسرائيل للإنسحاب من لبنان، قبل الدخول في حوار بين رئيس الجمهورية وحزب الله حول ملف السلاح، علماً ان الضغوط على لبنان ستزداد خلال المرحلة المقبلة من اجل اللحاق بسوريا التي ركبت قطار التطبيع مؤخراً.


ملف السلاح الفلسطيني في المخيمات اللبنانية يواجه تحديات متعددة، تتراوح بين التعقيدات الميدانية والضغوط الدولية. زيارة الرئيس عباس إلى بيروت قد تشكل فرصة لفتح حوار جدي بين الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية، بهدف التوصل إلى حلول تدريجية تحترم سيادة لبنان وتضمن أمن المخيمات وسلامة سكانها.

المصدر :خاص موقع “الملفات” – الكاتب والمحلل السياسي محمد علوش