September 24, 2024
\

من عرسال إلى حوش السيد علي فعكار.. خفايا التهريب والمهرّبين والخطر الأمني

خاص “الملفات” – الفريق الاستقصائي

التهريب حكاية عمرها من عمر الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا، وهي ليست وليدة الأمس وأزمة اليوم. عقود من الزمن وعشرات العائلات التي تسكن المناطق الحدودية والمتداخلة بدءاً من السلسلة الشرقية، فعرسال والهرمل وصولاً إلى عكار في الشمال، تعيش من التهريب.

عملياً، لم تكن العين على هذا الملف في السنوات التي سبقت الحرب السورية، ومن بعدها بدء الأزمة اللبنانية في مرحلة ما بعد 17 تشرين، فالظروف كانت مختلفة وأسباب توسّع رقعة وحجم التهريب لم تكن موجودة كما هي عليه اليوم، بالرغم من الظروف الأمنية الحالية والحرب الدائرة على الحدود الجنوبية.

وما تكبّده لبنان واللبنانيون في السنوات الثلاث الماضية من خسائر مالية على مستوى الدعم وفقدان السلع وصولاً إلى الارتفاع الجنوني في الأسعار، بسبب جشع التجار والتهريب، سعياً لكسب أرباح طائلة، كان مخيفاً.

 “حوش السيد علي”.. تفاصيل وخفايا التهريب عبر المعابر غير الشرعية

جولة استقصائية لـ “الملفات” على الحدود شمالاً، وتحديداً المنطقة الممتدة من عرسال باتجاه الهرمل، كشفت الكثير حول طرق التهريب وخفايا ما يحدث على المعابر غير الشرعية هناك.

وفي الإطار، يشرح أحد الذين عملوا لفترة طويلة في التهريب بمنطقة حوش السيد علي – الهرمل (فضّل عدم الكشف عن هويته)، كيفية التهريب، حيث أن أراضي تلك المنطقة متداخلة بين الحدود السورية واللبنانية، تقطعها “ساقية مياه” يبلغ عرضها حوالي الـ 100 متر، متى اجتزاها الشخص انتقل من بلد إلى بلد.

وبعض هذه الأراضي يملكها مهرّبون يستثمرونها في تهريب شتّى أنواع البضائع، إضافة إلى الأشخاص والسلاح مقابل المال. وهؤلاء المهربون يشكّلون عصابات خطيرة تضم عدداً كبيراً من الشباب “الطفّار” المدججين بمختلف أنواع الأسلحة (الدوشكا، الأسلحة الرشاشة، القذائف، القنابل، الهاون، الـ بي 7، وغيرها)، حيث أن تلك العصابات مهيئة لفتح معركة في أي لحظة قد تشعر فيها بالخطر الأمني.

“الخال”، ملك المهربين، الرجل الأقوى على الأرض والمسيطر في كل تلك المنطقة، يجمع حوله جيش من الرجال، ويعمل في مختلف أنواع التهريب، كسائر المهربين أمثال (أبو حسن وأبو علي بحسب ما يتم مناداتهم)، حيث يقوم هؤلاء بتهريب المازوت والبنزين والمواد الغذائية من لبنان إلى سوريا لاسيما عندما كانت مدعومة، والدواء والسلاح من سوريا حيث توافره بأسعار أرخص إلى لبنان، إضافة إلى الأشخاص الذين يعبرون خلسة بلا أوراق رسمية والسيارات المسروقة. وكل ذلك لقاء مبالغ مالية تبدأ من 160 دولار فريش على الشخص أو ما يعادلها بحسب سعر الصرف، وترتفع تدريجياً على البضائع تبعاً لحجم الحمولة ونوعيتها.

أمّا بالنسبة لكيفية التهريب، فتتم على الشكل التالي:

تصل الشاحنات من نوع (بيك آب لعدم لفت النظر حول حجم الحمولة)، إلى المعبر عند حدود “ساقية المياه” من الجهة اللبنانية، حيث يضع المهرب صاحب الأرض جسر حديدي متحرّك، بالمقابل تنتظر شاحنة أو أكثر على الجهة المقابلة السورية، حيث يقوم رجال المهرب بنقل البضائع من الأولى إلى الثانية عبر الجسر، ومن بعدها تنطلق الشاحنة إلى الداخل السوري وتجتاز بسهولة أغلب حواجز ما يُعرف بـ “الهجانة” (فرقة عسكرية سورية).

أما سبب هذا التسهيل السوري، فيعود بحسب ما نقل أحد العاملين سابقاً، في التهريب لـ “الملفات” إلى الرشاوى التي يُنفقها المهرّبون على العسكر السوري، لدرجة أن بعضهم يعمل معهم خلسة بهدف كسب الأموال. هذه الطريقة تنطبق على مختلف أنواع البضائع بما فيها السلاح، فيما الأشخاص يجتازون الجسر فقط، أما السيارات المسروقة فخُصص لها جسر حديدي أكبر تجتازه من ضفة إلى أخرى.

 تداعيات الحسم الأمني قد تكون خطيرة

التهريب لم تكن تداعياته على المستوى الاقتصادي والاجتماعي فحسب، لما تسبب به من هدر لأموال اللبنانيين التي أنفقت في الدعم وذهبت هدراً إلى الخارج لاسيما الفيول والطحين والقمح، إنما المسألة تصل إلى حد الخطر الأمني منذ ما قبل انتهاء الحرب السورية وحتى يومنا هذا، لجهة الأشخاص الذين يدخلون إلى لبنان من دون التدقيق بهوياتهم ووجهتهم، الأمر الذي يهدد أمن اللبنانيين في ظل استمرار خطر الإرهاب. ما يعني أن الحسم الأمني كان يجب أن يحصل منذ زمن، وهو لا يزال أمراً ملحاً، إضافة إلى صلة هذا الأمر بملف النازخين.

وفي هذا السياق، يقول أهالي المناطق المحازية للمعابر غير الشرعية، في دردشة مع “الملفات” إن هذا الملف يحتاج إلى قرار سياسي يعطي الضوء الأخضر للجيش للتدخل كما يجب وتعزيز مراكزه ونقاطه الأمنية التي يجب أن تكون ثابتة، لاسيما وأن المنطقة يحكمها قانون العشائر وبعض المهربين منهم، ما يطرح فرضية المخاطرة في أي مداهمة من دون خطة محكمة، فالمهربون ورجالهم مطلوبون للعدالة، وبالتالي هم مستعدون للاشتباك مع الجيش، فضلاً عن أنهم يتمكنون من الفرار بسهولة بمجرد القفز إلى الجهة السورية، ما يوقف تقدم الجيش بكل الأحوال.

ويشير الأهالي إلى أن ضبط التهريب 100% لا يمكن أن يتم تبعاً لديموغرافيا المنطقة، لكن الوصول إلى نسبة ضبط تتخطى الـ 90% ممكنة في مناطق السهل وصولاً إلى عكار، لاسيما وأن بعض المناطق الجبلية المفتوحة والممتدة على طول السلسلة الشرقية صعبة ووعرة وخطرة، وفي الأصل عمليات التهريب عبرها قليلة.

 الحكومة تمثل دور المتفرّج في مسلسل التهريب

ممّا لا شك فيه أن ملف التهريب كان حاضراً في أروقة مجلس النواب واللجان وفي الجلسات الحكومية، إضافة إلى التصريحات اليومية للسياسيين، إلا أن كتلتي اللقاء الديمقراطي والجمهورية القوية كانتا الأكثر متابعة لهذا الملف لاسيما على مستوى تقديم الإخبارات ومسائلة الحكومة.

وفي سياق الحديث عن الملف وتداعياته وسبل معالجته، اعتبرت مصادر نيابية مطلعة أن عمليات التهريب التي تجري عند الحدود، لجهة حجمها، لا يمكن لشخص أن يقوم بها، إنما هناك جسم منظّم يدعم تلك العمليات.

ورفضت المصادر عبر “الملفات” ما أسمته “ذريعة” العشائر في المنطقة لعدم حسم الملف، مؤكدةً أن وجود قرار سياسي بالتحرك من شأنه أن يثمر نتائج إيجابية. ورأت أن قوى الأمر الواقع تستغل العشائر والعائلات المعروفة تاريخياً لعملها بالتهريب في لقمة عيشها، وتُهدّدهاً بتوقيف عملها إذا لم تتموضع سياسياً وانتخابياً إلى جانبها.

وهنا تكشف المصادر النيابية أن المطلوب اليوم هو عدم إقفال هذا الملف ليبقى أداة سياسية تُستخدم للضغط عند الحاجة، وبالتالي كل ما يُحكى من تبريرات مرتبطة بوضع المناطق والعشائر هو “مجرد حجج لتبرير العجز، لأن لا منطق يجب أن يعلو على منطق الدولة والسيادة”.

 الخسائر بالمليارات

شددت المصادر النيابية لموقع “الملفات” على أن لا أرقام إجمالية حقيقية حصل عليها مجلس النواب لحجم الخسائر التي تكبّدها لبنان من أموال اللبنانيين، وصرفت في الدعم خلال السنوات الماضية من دون أن يستفيد منها المواطنون، إلا أنه خلال سنة ونصف فقط صُرف حوالي 24 مليار دولار من أموال المودعين على الدعم الذي ذهب إلى التجّار والتهريب، وقد ساهم ذلك بشكل كبير في استهلاك العملة الأجنبية التي كانت في الاحتياطي.

المصدر : خاص “الملفات” – الفريق الاستقصائي