عملية الإبرار في البترون.. الرواية كاملة من اللحظات الأولى للخطف وحتى النهاية!
عملية إبرار، وليست إنزالاً بحرياً. نفّذت بشكل سريع ومدروس، وانتهت في دقائق معدودة، إذ اقتادت وحدة الكوماندوز الإسرائيلية هدفها خلال أربع دقائق فقط. هذه العملية تركت الأوساط اللبنانية في حالة من الذهول إزاء هذا الاختراق الاستخباراتي الأمني الخطير وغير المسبوق، وأثارت تساؤلات حول قدرة العدو على الوصول إلى المناطق الداخلية للبنان بشكل غير مكشوف. هذه العملية تُمثّل تصعيدًا إسرائيليًا ذا أبعاد خطيرة وتطورًا نوعيًا في عمليات جيش لا يتوانى عن تدمير وطمس بلدات بأكملها. فهل سيكترث هذا الجيش بسيادة دولة عاجزة مكبلة اليدين، أو بحكومة منزوعة القدرات بسبب الهيمنة عليها؟ أما بالنسبة للتساؤلات عن دور الجيش اللبناني وتوجيه اللوم إليه لغايات مكشوفة، فالخيار يجب أن يكون واضحاً، إما دعم الجيش أو انتقاده والاستهزاء به، وحينها فقط يكون النقاش حول حامي الوطن مشروعًا، شئنا أم أبينا!
لا توجد حتى الساعة معالم واضحة أو تفاصيل رسمية تكشف مخطط العملية منذ لحظة التنفيذ، أي ساعة الصفر. إلّا أن المؤكد هو أن عملية الإبرار التي نفّذتها وحدة كوماندوز إسرائيلية على شاطئ البترون في لبنان في ساعات الفجر تمّت بنجاح سلس ومن دون وقوع أي اشتباكات مسلحة أو مقاومة تُذكر ، إذ انسحبت الوحدة الخاصة بهدوء إلى الشاطئ بعد إتمام مهمتها.
تراوحت ردود الفعل بين من تهكّم على مقولة أن أقدام العدو لم تطأ أي منطقة في الجنوب، وها هي تصل إلى البترون، معتبرين قوة الردع “مسرحية”، وبين من تمسّك بسلاح حزب الله ووجوده في الداخل، رابطين ذلك بالحادثة، متسائلين عن مصير المنطقة في حال تم تسليمه. لكن، يبقى هنا أمر واحد مؤكد في كلا الحالتين، وهو الانتهاك الصارخ بدخول العدو الأراضي البترونية والخروج منها وكأن شيئًا لم يكن!
السياق الأمني المحيط بالعملية
بدأت القصة قبل 48 ساعة، واستغرقت العملية نحو أربع دقائق فقط، حيث وصلت قوة كوماندوز بحرية إسرائيلية مؤلفة من أكثر من 20 جنديًا، من بينهم غواصون وبحارة (بعضهم من وحدة إنزال قتالية، والبعض الآخر من وحدة إنزال بحرية)، إضافة إلى عناصر بلباس مدني، إلى شاطئ البترون. استخدمت القوة أحدث المعدات والأسلحة الخفيفة المزودة بكواتم صوت، واعتمدت على مناظير متطورة تجمع بين الرؤية الليلية والحرارية، إلى جانب معدات غوص وزعانف سباحة، مما مكّن الوحدة من العمل بهدوء ودقة من دون أن تنكشف. هذا يدل على مستوى عالٍ من التدريب والتجهيز لهذه العملية الدقيقة. انطلقت القوة نحو شاليه الهدف، المواطن عماد أمهز، وقامت باقتياده سيرًا على الأقدام حتى الشاطئ، حيث استخدموا زوارق سريعة للانسحاب.
تكشّفت هوية عناصر القوة الخاصة أو الجهة التي يتبعونها لاحقاً عبر تسجيلات كاميرات المراقبة، وذلك بعد محاولة الجيش الإسرائيلي مسح التسجيلات عن بُعد في محاولة لطمس الأدلة. غير أن الأدلة التي بقيت في الكاميرات ساهمت في فك خيوط العملية، بعد تقديم بلاغ من زوجة المختطف تفيد بفقدان الاتصال به، باشرت القوى الأمنية تحقيقاتها فور تلقي البلاغ وتوجّهت الفرق الأمنية إلى موقع الشاليه في البترون. وعند مراجعة التسجيلات، ظهرت تفاصيل مثيرة، مثل ظهور عنصرين بلباس سباحة، وهما من أفراد القوة المهاجمة، يرتديان علامات عاكسة لتمييزهما عن المدنيين، ويُرجّح أنهما كانا جزءًا من القوة التي تم إنزالها قبيل الهجوم لتأمين الموقع.
التكهنات حول هوية المختطف وأسباب اختياره كهدف
بعد ساعات قليلة، تم التأكيد على أن المختطف هو المواطن اللبناني عماد أمهز، وهنا بدأت السرديات والروايات المتضاربة. فبعد انتشار فيديو الاختطاف، قيل في البداية أنه ينتمي لأحد الأجهزة الأمنية اللبنانية، دقائق معدودة حتى برزت رواية تنسف الأولى كليًاـ فالمختطف ليس ضابطًا إنما قبطاناً بحرياً مدنياً لسفن تجارية وليس عسكري. أما مصادر قيل أنها تابعة لحزب الله نفت أنه من صفوفها مع العلم أن لا مصادر أو جهات مقربة من الحزب فقط هناك البيانات الرسمية التي تصدر عنها.
بعد دقائق، ظهرت رواية أخرى كشفت المزيد من التفاصيل، حيث زعمت معلومات إسرائيلية أن أمهز هو المسؤول المباشر في حزب الله عن عمليات تهريب الأسلحة والمعدات الدقيقة ونقلها عبر البحر إلى الحزب، مما يجعله هدفًا استراتيجيًا لإسرائيل التي تسعى إلى منع تزويد الحزب بالأسلحة عن طريق شبكات التهريب البحري. ويُعتقد أن هذا الهدف يُصبح أكثر أهمية مع احتمال استخدام الحزب لهذه الأسلحة ضد البوارج العسكرية الإسرائيلية في المياه الإقليمية في حال توسّعت عملياته البحرية.
المؤكد من كل هذه الروايات المتداولة أن عماد أمهز هو قبطان بحري مدني لا علاقة له بالأجهزة الأمنية اللبنانية، وكان قد استأجر الشقة في البترون منذ حوالي شهر للدراسة في معهد البحار. وقد عثرت القوى الأمنية في شقته على نحو 10 شرائح بأرقام أجنبية وجهاز هاتف وجواز سفر أجنبي.
الجدل حول التنسيق مع القوات الدولية وأبعاد الاختراق
انتشر فيديو يُوثّق عملية الاختطاف بتفاصيلها، ومعه ظهرت روايات مختلفة، إحداها تزعم أن القوة الإسرائيلية نسّقت دخولها مع قوات اليونيفيل الألمانية، المسؤولة عن مراقبة المياه الإقليمية اللبنانية وقد طالب البعض باستدعاء السفيرة الألمانية للتحقيق، مع العلم أن اليونيفيل سرعان ما نفت مشاركة قواتها في تسهيل أي عملية اختطاف أو أي انتهاك للسيادة اللبنانية. في المقابل، اعتبرت روايات أخرى أن هذا الربط بين التنسيق والقوات الألمانية سخيف، لأن القوات الإسرائيلية تعتمد في مثل هذه العمليات على تكنولوجيا متقدمة (مثل مركبات SDV) وغيرها ولا يبحر بشكل مكشوف أو علني ومن دون الحاجة لأي تنسيق خارجي لضمان نجاحها.
في كل الأحوال، تعكس عملية الاختطاف هذه حجم المخاطر الأمنية والاستخباراتية التي يواجهها لبنان، وتؤكد أن العدو الإسرائيلي منح نفسه السلطة الكاملة لتنفيذ عمليات خاصة داخل الأراضي اللبنانية وفي المياه الوطنية من دون رادع مما يضع الدولة اللبنانية أمام تحديات حقيقية تستدعي وقفة جدية، خاصةً مع تحذيرات جديدة ظهرت مؤخرًا تتحدث عن عمليات أخرى قد تُنفّذ خلال هذا الأسبوع في مناطق مثل سان جورج، الكورنيش، صيدا وجبيل.
عمليـــة انـــزال وخطــف مســــؤول فـي الحــــزب فـــي البتــــرون!
المصدر : خاص – موقع “الملفات”