May 14, 2025

المجنسون والرشاوى في الواجهة… توقيفات بالجملة تشوب استحقاق الشمال وعكار الانتخابي

رشاوى وإشكالات أمنية تعكّر المسار الديمقراطي

في يوم انتخابي استثنائي، شهدت محافظتا الشمال وعكار ثاني مراحل الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان، وسط مشهدٍ تداخلت فيه الممارسات الديمقراطية مع الخروقات الأمنية والإدارية، وحضر فيه الحماس الشعبي إلى جانب المخالفات التي شابت العملية، لتنتج مشهداً انتخابياً مثقلاً بالتحديات، لكنه في الوقت عينه يؤكّد على أهمية هذا الاستحقاق في ترسيخ منطق الدولة وتعزيز الإنماء المحلي.

منذ الصباح الباكر، توافد الناخبون إلى مراكز الاقتراع في مختلف أقضية الشمال وعكار، حيث بلغت نسبة الاقتراع الإجمالية 36.06% في محافظة الشمال و47.47% في عكار. وتوزّعت النسب داخل الأقضية على الشكل الآتي: طرابلس 26.00%، زغرتا 38.99%، بشري 32.09%، المنية – الضنية 50.56%، الكورة 39.04%، والبترون 49.39%. وقد أُقفلت صناديق الاقتراع عند الساعة السابعة مساءً، لتبدأ فوراً عملية فرز الأصوات وسط حضور أمني مكثّف.

وسُجّلت ملاحظة لافتة هذا العام بارتفاع عدد المجنسين الذين شاركوا في الاقتراع، لا سيما في بلدة شكا – البترون، حيث كشفت معلومات أن نحو 350 مجنسًا أدلوا بأصواتهم، مقارنة بـ200 فقط في الدورة السابقة. كما أشارت تقارير إلى مشاركة مجنّسين آخرين في مناطق مختلفة من البترون، ما أثار تساؤلات حول تأثير التجنيس السياسي على نتائج الانتخابات وتوازناتها.

غير أن العملية الانتخابية لم تخلُ من الشوائب. فقد أفادت مصادر أمنية بتوقيف 14 شخصًا للاشتباه بتورطهم في دفع رشاوى انتخابية. وبرزت حالات موثّقة لشراء الأصوات، من أبرزها فيديو متداول من بلدة عندقت يظهر أحد مناصري اللوائح الانتخابية وهو يدفع مبلغ 200 دولار لامرأتين مقابل تصويتهما، بالإضافة إلى بلاغات رسمية عن حجز هويات بعض الناخبين لضمان تصويتهم للائحة معينة. وفي حادثة أخرى، أدلى مواطن بإفادة تفيد بتلقيه مبلغ 2000 دولار أميركي على دفعتين مقابل تسليم بطاقتي هويته وهوية زوجته. وفتحت المديرية العامة لأمن الدولة تحقيقاً في الحادثة بإشراف القضاء المختص، واستُدعي على إثرها عدد من الأشخاص للاستماع إلى إفاداتهم. وفي شكا، تم توقيف أحد مناصري اللوائح بعد حجزه هوية رجل وزوجته بقصد التأثير على تصويتهما، وقد تم فتح تحقيق بالحادثة. هذه الوقائع دفعت بالسلطات الأمنية والقضائية إلى التعامل بحزم مع كل مظاهر الرشوة الانتخابية، في محاولة لضبط العملية.

من جهته، شدّد رئيس الحكومة نواف سلام، خلال كلمة له من وزارة الداخلية، على أنّ “أهم ما حصل اليوم هو ضبط عمليات الرشاوى التي ستحال على القضاء مع من يقف خلفها”، مشيرًا إلى أنّ الوزارة “نجحت في الاستجابة السريعة للشكاوى”، كما دعا إلى “ضرورة معاقبة كل من تورّط في المال الانتخابي”. وفي السياق عينه، أعلن وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار أن عدد الشكاوى التي تلقّتها الوزارة بلغ 528 شكوى، منها 307 شكوى رسمية توزعت على الشكل الآتي: 253 إدارية، 18 أمنية، و36 عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وأشار الحجار إلى أن نسب الشكاوى كانت الأعلى في عكار (41%) وطرابلس (25.5%). كما شدد على أن معظم الإشكالات كانت نتيجة الحماس الزائد، داعيًا المواطنين إلى الالتزام بالتعبير الحضاري عن آرائهم، والابتعاد عن العنف والرشوة.

كما نوّه وزير الدفاع اللواء ميشال منسى، خلال زيارته إلى غرفة عمليات قيادة الجيش، بالجهود التي تبذلها المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية لضمان أمن العملية الانتخابية، مشيدًا بالتنسيق بين وزارتي الدفاع والداخلية.

على صعيد المقارنة مع الانتخابات الماضية، نشرت وزارة الداخلية رسمًا بيانيًا يُظهر تراجع نسبة الاقتراع العامة من 45.30% في انتخابات 2016 إلى 39.36% في الدورة الحالية، ما يُبرز انخفاضًا في المشاركة رغم الحماسة المسجلة في بعض الأقضية.

أما ميدانيًا، فقد سجلت العملية الانتخابية سلسلة من الإشكالات في مناطق متعددة، أبرزها في زغرتا، دده، بينو، السفيرة، كفرياشيت، تكريت، فنيدق، مار توما، بخعون، وشكا. وتنوعت بين توترات، تدافع، حالات طعن، توقف مؤقت للعملية الانتخابية، واكتظاظ شديد داخل بعض المراكز.

أبرز هذه الإشكالات كان في فنيدق – عكار، حيث جُرح مواطن بعد طعنه بسكين وتم الاعتداء على أحد الجنود، ما استدعى تدخل قوة من مغاوير البحر لضبط الوضع. كما توقفت الانتخابات في مار توما بسبب إشكال داخل قلم الاقتراع، وتمت معالجته بتدخل الجيش والقوى الأمنية.

في السياق نفسه، سُمح لأحد الناخبين بالاقتراع باستخدام إخراج قيد فقط في مستوصف مار ضومط في زغرتا، في مخالفة للتعميم الصادر عن وزارة الداخلية الذي يشترط وجود بطاقة هوية أو جواز سفر ساري.

سياسيًا، حضر الاستحقاق عبر مواقف متعددة. رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل زار رحبة في عكار، وأكّد على أهمية الحضور الإنمائي للتيار في المنطقة، فيما أشارت النائب ستريدا جعجع من بشرّي إلى أن “الفوز إلنا”، منوّهة بجهود رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية. أما رئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة فأدلى بصوته في زغرتا، مشدداً على أهمية الإنماء ورافضاً كل الطروحات التقسيمية.

في الختام، برز هذا اليوم الانتخابي كمحطة دقيقة تعكس مشهداً ديمقراطياً غير مكتمل، يتطلب تعزيز الرقابة والمحاسبة، لكنه يكرّس في الوقت عينه التمسك بالاستحقاق الدستوري كأداة ضرورية للإنماء والمساءلة.

المصدر : خاص – موقع “الملفات”