December 23, 2024

الوميض القاتل.. أجيال مسرطنة تنشأ في لبنان

خاص – موقع الملفات

هي ليست محرمة دولياً من فراغ أو عن عبث، فالقذيفة الواحدة منها كفيلة أن تقتل كل كائن حي حولها بقطر 150م، وتدمر بيئيًا مناطق عن بكرة أبيها. ومع ذلك، منتهكي الإنسانية يمعنون في إجرامهم باستخدامها بشكل مفرط ضد المدنيّين والأرواح البريئة سواء في غزة أو في الجنوب اللبناني الذي تمطر سماؤه ناراً منذ بدء المواجهات.

إنها القنابل الفسفورية، السلاح العشوائي الذي يستخدم بشكل مفرط بالرغم من الانكارات المستمرة والمعلومات المضللة، يرقى لكونه جرائم حرب تستدعي التحقيق الشفاف ومقاضاة جميع المسؤولين عن هذا التصرف الإجرامي.

وهذا بالفعل ما ستقدم عليه حكومة تصريف الأعمال، فهي بصدد تقديم شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإدانة استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض في اعتداءاتها على لبنان، لاسيما بعد تسلمها تقريراً من منظمة العفو الدولية يتضمن نتائج تحقيق أجرته المنظمة حول استخدام إسرائيل وبشكل غير قانوني للقنابل التي تحتوي على دخان الفسفور الأبيض في قرية الضهيرة في جنوب لبنان خلال هجمات عشوائية.

الوميض القاتل
قبل التعمّق في هذا الملف، وشرح تداعياته الخطيرة على اللبنانيين عمومًا وأهالي الجنوب خصوصاً، سنقدم تفسيرًا مقتضبًا للقنابل الفوسفورية التي سبق واستخدمت في الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ كما في عدة حروب إقليمية أخرى كما في غزة ولبنان، واليوم باتت تثير الذعر والرعب في نفوس المدنيّين بمجرد النطق باسمها، فكيف الحال إن انفجرت فوق رؤوسهم؟

موقع الملفات استعان بخبير عسكري لتقديم شرح دقيق عن هذه القنابل، وكيفية إيجاد دلائل تثبت استخدام الفسفور الأبيض في القصف على لبنان، نفندها تباعاً.

في بادئ الأمر، القنبلة الفسفورية، هي قنبلة أو قذيفة مدفع عيار 155 ملم، تندرج تحت ما يُعرف بـ”الأسلحة الحارقة، ويعد استخدامها ممنوعاً وفق القوانين الدولية المتعلقة بأسلحة الحرب وذلك بموجب اتفاقية جنيف 1980 والتي حرمت استخدام مثل هذه القنابل باعتبارها سلاحاً حارقا للبشر والبيئة نظراً لخطورتها على حياة البشر والبيئة”.

تحوي ذخيرتها على الفوسفور الأبيض “WP”، المتفجر جواً بحيث يشتعل تلقائياً عند التماس مع الهواء ويحترق بشدة ومن الصعب إخماده، على غرار القذائف الأخرى التي تنفجر في الأرض فور ملامستها لها.
فقنابل الفسفور الأبيض هي عبارة عن سلاح يعمل عبر امتزاج الفسفور فيه مع الأكسجين، والفسفور الأبيض عبارة عن مادة شمعية شفافة وبيضاء ومائلة للاصفرار، وله رائحة تشبه رائحة الثوم ويصنع من الفوسفات.
يتفاعل مع الأكسجين بسرعة كبيرة منتجاً ناراً ودخان أبيض كثيف، وكل قذيفة تنفجر جواً تنشر 116 شظية فسفور أبيض محترقة تنتشر على مساحة تمتد مسافة 125 متراً وصولاً إلى 500 متراً من نقطة الانفجار، بناء على ظروف الهجوم وزاويته.
تنبعث من الفوسفور الأبيض أثناء اشتعاله سحابة دخان كثيفة تغطي السماء لما يقارب 5 إلى 10 دقائق في كل مرة ترمى فيها، فضلاً عن لونها الأبيض الساطع والحرائق التي تخلفها في المساحات الخضراء، هذه الدلائل وغيرها كعينة من التربة التي تلامسها، باستطاعتها إثباث وجود هذه المادة واستهداف لبنان بها.

ويؤكد الخبير العسكري أنه في الحالات التي يتم رميها على لبنان، الهدف منها ليس التسبّب بحرائق للأراضي والأشجار فقط إنما إيذاء العسكر أو المقاتلين والمدنيين وبشكل واضح وفاضح، وخلق حالة من الذعر والرعب لدى أهالي البلدات الجنوبية، معتبراً أن الفسفور الأبيض المتفجر جواً فوق مناطق مأهولة أمر غير قانوني ومحرم دوليًا كونه لا يعرض فقط المقاتل للأذى إنما يعرض المدنيين والأبرياء للقتل ولمخاطر هم بغنى عنها، أما انتشار شظاياه المحترقة على مجال واسع يعرض محيط بأسره للضرر كونها تمتد لبقع وليس لنقطة محددة.

ولفت إلى استخدام نوعين من القذائف الفوسفورية في الاعتداءات على لبنان، الأول التي سبق وذكرناها أعلاه، أما الثاني فهي القذائف المخصصة للحرائق، تعرف بالقذيفة الفوسفورية المحرقة، ترمى على الأشجار والأراضي.

أجيال مسرطنة
خطر الفسفور الأبيض لا يقف عند الإنسان، بل يتعدّاه ليهدد سلامة البيئة وكائناتها، لا سيما أن المواد الكيمائية الضارة التي تحتويها تتسرّب في التربة أو إلى قاع الأنهار والبحار وإلى الكائنات البحرية مثل الأسماك، مما يؤدي إلى تلوثها، فيتأثر بذلك النظام البيئي والتنوع البيولوجي والإيكولوجي وقد يؤدي إلى حالات انقراض ووفاة لنباتات وحيوانات كثيرة. والحديث هنا بحسب الباحثة والخبيرة بالإعلام البيئي، والعضو الاستشاري الشرفي في شبكة بيئية أبو ظبي، د.سالي جابر، والتي أشارت إلى أن الخطر ليس على بقعة جغرافية محددة إنما على لبنان بأسره، فالقنابل الفسفورية لا تنحصر في مكانها إنما تنتشر في أجزاء أكبر من المكان المتواجدة فيه، فحين يتلوث الهواء لا يتلوث فقط فوق بلدة في الجنوب لأن الجزيئات في الهواء تنتقل، وبالتالي ممكن أن يتلوث كل لبنان بالفسفور أو حتى المناطق المحيطة بالجنوب.

وكذلك الأمر بالنسبة للمياه والتربة، فالفسفور لا ينحصر في مكان واحد لكن كل ذلك يتوقف على كمية الفسفور الأبيض المستخدم لتصنيع هذه القنبلة، ففي حال كانت الكمية قليلة تأثر فقط على المكان الموجودة فيه، ولكن فعلياً يتم استخدام كميات كبيرة جداً منها بالإضافة إلى عوامل أخرى كالارتفاع الذي رميت منه.

وتؤكد د.جابر، أن القنابل الفسفورية ليست فقط فسفور أبيض، إنما بداخلها مواد أخرى تزيد من فعاليتها وسرعة اشتعالها فور ملامستها الهواء مما يزيد من تأثير القنبلة، كاشفةً عن احتوائها على مواد أخرى تعمل على المحافظة على الفسفور الأبيض، حتى وإن خزنت القنبلة لملايين السنين فلا تصاب بأي ضرر أو تلف، وهنا تمكن خطورتها العالية.

وفي محاولة لفهم خفاياها صحيًا، تكشف د.جابر، عن مشاكل على المدى البعيد قد تظهر تباعًا بما فيها الأمراض السرطانية وتحديدًا سرطان الرئة، فالمتعرض للفسفور لا يُصاب في لحظتها ولكن الشيء الوحيد المؤكد أنه بعد سنوات سينشأ في لبنان أجيال معرّضة أكثر للسرطان.

لا يبقى إلا العظم!
من المعلوم، أن دخان هذه القذيفة الفسفورية يصيب الأشخاص المتواجدين في المنطقة، فما مدى الأذى التي تسببه هذه القذيفة وما المخاطر المترتبة عنها نكتشف الإجابات أدناه وفقًا للشرح الطبي الذي قدم لموقع الملفات.

الفسفور الأبيض قد يسبب الإصابة أو الوفاة حين يلامس الجلد، أو لدى استنشاقه أو ابتلاعه، فاستنشاق هذا الغاز يؤدي إلى ذوبان كل من القصبة الهوائية والرئتين، أما الحروق فقد تكون قاتلة إذ قد تصيب الكبد أو الكليتين أو القلب بالأضرار، فضلاً عن الأضرار والتداعيات التي ستكتشف على المدى البعيد كتلف الأنسجة والتسمم والسرطان.

يستمر الفسفور الأبيض في الاشتعال عند ملامسته الجلد، ويحرق كل طبقات جسم الإنسان حتى يصل إلى العظم ما لم يتم إطفاءه، أي يتسبب بحروق شديدة تؤدي إلى إذابة الجلد وهذه الحروق اللاذعة لم تشاهد من قبل على أجساد الجرحى ويصعب التعامل معها طبيًا، كما في حال ملامسة العينان يؤدي فوراً إلى فقدان البصر، كما يسبب جروحاً في الفم، ويكسر عظمة الفك.

أما الوقاية تكون إما باتخاذ إجراءات لعدم وصولها إلى الجلد مباشرة كارتداء ألبسة واقية لا تظهر الجلد أو تغطيه بشكل كامل، أو من خلال ارتداء قناع مخصص، مع العلم أن هذه القنابل صُممت لتقاوم الكمامات الغازية المعدّة للحروب الكيمياوية، والحل الأخير يكمن بالتنفس لبضع دقائق من خلال قطعة قماش مبلولة بالماء.

إذاً، على المدى البعيد يبدو أن الدول التي تصنع الفسفور باستطاعتها أن تفرض سيطرتها وهيمنتها سواء عسكرياً أو بيئياً، فزمام الأمور بيدها، وبين لحظة وأخرى بإمكانها التهديد برمي قنبلة فوسفورية طالما كل التشريعات والقوانين التي تحرّمها وتحظرها ليست إلا حبرًا على ورق.

المصدر : خاص – موقع الملفات