العسل اللبناني يعود إلى أوروبا.. وهذه انعكاساته
خبر سار تلقّاه لبنان، وقطاعه الصناعي تحديداً، من الاتحاد الأوروبي بعد أن تم السماح للبنان بتصدير عسل إلى أوروبا للمرة الأولى منذ ما يقرب من عقد من الزمن.
وعن كيفيّة التوصل إلى هذ الإنجاز يتحدّث المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “Atelier Du Miel” مارك-أنطوان بو ناصيف، شاكرًا أولاً “تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين RDCL على كونه صوت القطاع الخاص، كما وأود أن ألقي الضوء على إيمانه الراسخ بلبنان الأفضل وجلب الأمل من خلال قصص نجاحه”، كاشفاً أن “مساعي مساعي تصدير العسل بدأت عام 2019 عندما خاب أمل Atelier Du Miel لإرسال شحنتها الأولى إلى أرقى المتاجر في المملكة المتحدة، حيث رفض دخول البضائع عند الحدود وتم تدميرها بالكامل. إلا أن، رغم كل العوائق، كان هناك تصميم وإرادة لتحقيق هذا الهدف وتم تحويل الخيبة إلى عزم، خصوصاً أن أوروبا هي السوق الأكثر وعدًا للعسل اللبناني. وبعد أن استغرقت الإجراءات بعض الوقت لفهم الصورة والوصول إلى الأشخاص المعنيين لبحث الموضوع معهم، تبيّن أن السبب في منع دخول العسل اللبناني هو فشل البلد في إقرار خطة وطنية لرصد المخلفات”.
ويتابع “رغم أن المنتجات اللبنانيّة تعد من أكثر المنتجات المرغوبة في أوروبا بسبب طبيعتها الغنية والتنوع البيولوجي الذي يتميّز به البلد، غير أن عدم وجود سياسات ورقابة على الجودة أضر كثيرًا بصورتها. لذا، صممنا على تغيير هذا الوضع، خصوصاً أن L’Atelier Du Miel تفخر بشكل خاص بمعايير التتبع والجودة لديها، وبنهجها الجديد في تربية النحل من خلال الإنتاج الخاص، إلى جانب بناء شراكات تمكينية مع مربي النحل. وبمجرد بدء استفسارنا عن إمكانية السماح للعسل اللبناني بدخول أوروبا، برزت الأزمة اللبنانية تليها جائحة كوفيد وانفجار ٤ آب، لكن لحسن الحظ أظهر بعض الأفراد الفريدين في السفارة اللبنانية في بروكسل وفي وزارة الزراعة في بيروت دعماً كبيراً لقيادة هذا المشروع رغم كل الصعوبات وغياب الموارد الإدارية. باختصار، السماح للبنان بتصدير العسل إلى الاتحاد الأوروبي لم يكن سهلاً، فقد استغرق الأمر 3 سنوات من المراجعات والتفاوض لإنشاء إطار قانوني وفني وإداري، ووضع كل متطلبات التتبع التي تتطابق ومعايير الاتحاد الأوروبي الصارمة. وتكللت المساعي بنجاح للقطاع بأكمله، وكان من المهم بالنسبة لجميع الذين عملوا على هذا المشروع أن يقدّموا مثالًا للمهنية الوطنية وتغليب المصلحة العامة على الشخصيّة. اليوم، بات بإمكان منتجي العسل اللبنانيين تصدير منتجاتهم إلى الاتحاد الأوروبي بعد الالتزام بمعايير الجودة المطلوبة”.
وعن المواصفات والمميّزات التي تزيد من قيمة العسل اللبناني التنافسية، يجيب بو ناصيف “صحيح أن لبنان بلد صغير في المشرق العربي، لكنه من أغنى البلدان في العالم على مستوى التنوع البيولوجي، ويحظى طعامه بتقدير كبير ويُرغب فيه بشدة حول العالم. بالنسبة إلى العسل، يعتبر لبنان أرض الحليب والعسل، وأرض الفصول الأربع. من سهول صور المزروعة بالحمضيات إلى أرز بشري، وصولاً إلى وادي الأشجار البلوطية في قنوبين والزهور البرية في قمم جبل لبنان، كلّها تنوعات فريدة حقاً ويمكن أن تستهوي جمهورًا متزايدًا من المهتمين بالطبيعة والصحة، لا سيّما في أوروبا”.
ويلفت إلى أن “منذ بداياته أدخل L’Atelier Du Miel هذه الخصائص ضمن علامته التجارية، فصممها بشكل يعكس هذا التنوع من خلال مجموعة منتجات مكونة من 20 نوعًا من العسل الفريد الخاص بالمنطقة، الذي يتم تتبعه من الخلية وصولاً إلى الجرة الجاهزة للبيع، لضمان عدم وجود أي مواد اصطناعية مثل السكر والمخلفات الكيميائية”، مؤكداً في السياق أنه “يمكن للمنتجات اللبنانية أيضًا الاعتماد على قاعدة كبيرة من المحبين وهم المغتربين، الذين ليسوا فقط مستهلكين للمنتجات الوطنية، بل من أشدّ الداعمين والمدافعين والمروّجين لها”.
وفي ما يخصّ انعكاسات هذا الإجراء على التصدير والإنتاج يشير بو ناصيف إلى أن “رغم أن السوق الأوروبي واحد من أكثر الأسواق المستهلكة للعسل حول العالم، حيث تحتلّ 5 دول أوروبية المراكز العالمية العشرة الأولى من استهلاك العسل، إلا أنه يعاني من نقص في الإنتاج المحلي. ويزداد هذا النقص بسبب الحرب الأوكرانية، أذ كانت أوكرانيا أحد ركائز إنتاج العسل الأساسيّة لأوروبا. بالإضافة إلى ذلك، فإن السوق الأوروبي واحد من أكثر الأسواق حساسية لجهة الجودة، ولديه أوسع قاعدة من المستهلكين المستعدين لدفع ثمن عالٍ مقابل الحصول على منتجات طبيعية. وهذا يعود بالفائدة على المنتجات اللبنانية، حيث يمكنها المنافسة على هذا المستوى مع أضخم المصنعين مثل الصين أو تركيا.
بالتالي، إذا حصل على الدعم المناسب، يمكن للبنان إنتاج أكثر من 1000 طن من العسل سنويًا خلال السنوات الثلاث المقبلة، ما يساهم في إدخال 15 مليون دولار من الإيرادات السنوية إلى الاقتصاد المحلي، ويؤدّي ذلك أيضاً إلى خلق أكثر من 1000 فرصة عمل مباشرة”.
ويشرح أن “منذ سنتين كانت قيمة تصدير العسل اللبناني تقدّر بـ ٧٥٠ ألف دولار. أما مع فتح الأبواب الأوروبية، فمن المتوقّع أن تزداد هذه القيمة ضعفين تقريبًا خلال السنتين المقبلتين”.
وبالنسبة إلى طرق تكثيف إنتاج العسل محلّياً يوضح أن “القطاع يفتقد إلى رؤية موحّدة أو إلى إطار عمل محدّد لمربي النحل والشركات المنتجة. إن تطوير القطاع وتحسينه له شقين، فهنالك جزء من المساعي مرتبط بتوحيد وتقوية الفاعلين الحاليين. أما الجزء الآخر فيفرض بناء قيمة معنوية للعلامة التجارية للعسل اللبناني عبر الاستفادة من مميّزاته وأبرزها التنوّع البيولوجي، الفصول الأربعة، البيئة الغنيّة، والمذاق اللذيذ. لذلك، يجب التركيز على التوعية، وعلى تسويق المنتج اللبناني، استناداً إلى هذه المميّزات”.
المصدر : المركزيّة