الخروقات الإلكترونية الإسرائيلية للبنان: تهديد سيادي في زمن الحرب الرقمية

في ظل النزاعات الإقليمية المتجددة والتوترات الأمنية المتصاعدة، لم تعد الحروب العسكرية وحدها هي ساحة المواجهة بين الدول، بل أصبحت الحرب السيبرانية جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيات الهيمنة والسيطرة. ولعل لبنان من أبرز الدول التي تتعرض لهذا النوع من التهديدات، خصوصاً من قبل إسرائيل، التي كثفت خلال السنوات الأخيرة هجماتها السيبرانية على البنية التحتية اللبنانية ومؤسساتها الأمنية والحيوية.
خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان لم تكن الحرب التقليدية حاضرة بل كان للذكاء الإصطناعي والخروقات الأمنية الدور الأكبر، وهذا يفرض على لبنان تحديات إضافية إلى جانب تعزيز الجيش وقدراته.
تهديدات غير مرئية… ونتائج ملموسة
ليست الخروقات الإلكترونية الإسرائيلية للبنان بالأمر الجديد، لكنها تصاعدت بشكل ملحوظ منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، وامتدت تداعياتها إلى الجنوب اللبناني، حيث رُصدت سلسلة هجمات إلكترونية استهدفت شبكات الاتصالات والهواتف المحمولة وحتى بعض المنشآت الرسمية.
تكشف مصادر أمنية لبنانية أن العدو الإسرائيلي نفذ عمليات تجسس واسعة عبر اختراق شبكات الاتصالات الداخلية، مما مكنه من مراقبة تحركات عدد من القيادات الأمنية والسياسية، كما سُجلت محاولات لتعطيل بعض أنظمة الطاقة والمياه، وهي خطوة تُنذر بخطر الحرب الشاملة على البنى التحتية المدنية اللبنانية بحال انتقلت إلى العصر التكنولوجي دون حماية.
في ظل التصعيد المستمر بين إسرائيل ولبنان، برزت الحرب الإلكترونية كأحد أبرز أدوات الصراع غير التقليدي الذي واجه المقاومة ولبنان، حيث يمكن القول بصراحة أن هذه الوسائل تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي.
في كواليس الحرب كلام كبير وخطير عن التطور الذي استخدمته إسرائيل في حربها، بدءاً من خرق داتا الهواتف اللبنانية كاملة، الشبكة الأرضية والخلوية، مروراً باختراق كاميرات المراقبة الموصولة على الإنترنت، وصولاً إلى تقنيات البحث المعتمدة على بصمات الوجه والصوت وغيرها الكثير.
تُشير مصادر متابعة لهذه المسألة أن المقاومة استشعرت خطر التكنولوجيا التي تمتلكها إسرائيل منذ بداية حرب الإسناد، وقامت بتغيير عدة تكتيكات عسكرية خلال المراحل الأولى للحرب لتحاول التأقلم مع هذا التطور، لكن تبين فيما بعد أن التطور لم يقف عند حدود، مشددة على أن المقاومة لا تزال تقوم بتحليل ما حصل معها خلال الحرب، وهناك تقنيات اسرائيلية كُشفت وأخرى لم تُكشف بعد، دون تغييب احتمال الخرق البشري طبعا بطبيعة الحال.
هناك حديث بين أوساط المقاومة أن الخرق التكنولوجي الإسرائيلي، او الخرق السيبراني وصل حدّ اختراق أجهزة التحكم بالصواريخ الذكية والكبيرة، وبالتالي لم يكن السلاح التكنولوجي مجرد عامل مساعد في الحرب بل المحرك الأساسي فيها.
هذه النقاط باتت تدركها المقاومة، وهي تدرك أيضاً أنه بحال كان هناك فكرة مستقبلية لحرب مع العدو الاسرائيلي فإن التجهيز لهذا النوع من الحروب بات شرطاً أساسياً لأي معركة، ولكن أيضاً ما حصل يعطينا فكرة عما ينتظر لبنان بالمستقبل القريب في هذه المجالات، إذ لم تعد التجهيزات مقتصرة على انواع معينة من الاسلحة للجيش، بل هي عملية شاملة يسميها رئيس الجمهورية جوزيف عون باستراتيجية الأمن الوطني.
سبل المواجهة
تُشير المصادر الأمنية إلى أن المواجهة ليست سهلة، سواء مع العدو الإسرائيلي أو أي مجموعة متخصصة بالحرب السيبرانية والخرق، خصوصا بظل التفوق الواضح للعدو الإسرائيلي ومن خلفه بالقطاع التكنولوجي، ولكن هناك أقل الإيمان من التحضير، إذ يجب على لبنان تطوير بنيته التحتية السيبرانية، وتدريب الكوادر المتخصصة في مجال الأمن الإلكتروني، والتعاون مع الدول الصديقة لتعزيز قدراته الدفاعية، كذلك من الضروري مواكبة هذه المسألة عبر سن قوانين وتشريعات تنظم الفضاء السيبراني، وتحدد العقوبات على الجرائم الإلكترونية، وتوعية المواطنين حول أهمية الأمن السيبراني.
ومن النصائح التي تقدمها المصادر بناء على التجارب الخارجية، تعزيز البنية التحتية الرقمية عبر تحديث أنظمة الاتصالات والمعلومات واعتماد حلول حماية حديثة قادرة على التصدي للهجمات المعقدة، تشكيل جهاز وطني للأمن السيبراني يتولى التنسيق بين الأجهزة الأمنية، ويدير الأزمات الإلكترونية على المستوى الوطني.
لا يكفي تعيين وزير للتكنولوجيا، ولكنها بداية بحال كانت هناك نوايا للعمل، فالحرب السيبرانية الإسرائيلية على لبنان ليست مجرد قضية أمن معلومات، بل تمس جوهر السيادة الوطنية. وفي زمن تتجاوز فيه التكنولوجيا الحدود الجغرافية، يبقى التحدي الأكبر أمام لبنان هو القدرة على بناء منظومة دفاع رقمي متينة تواكب العصر وتُحصّن الوطن من خطر غير مرئي، لكنه لا يقل فتكاً عن أي قذيفة أو طائرة حربية.
المصدر : خاص “الملفات” – الكاتب والمحلل السياسي محمد علوش