September 24, 2024
\

الحراسة القضائية.. شروط فرضها

الحراسة القضائية

          تعريفها:

عرفت المادة 719 من قانون الموجبات والعقود الحراسة بشكل عام بأنها إيداع شيء متنازع عليه بين يدي شخص ثالث ويجوز أن يكون موضوع الحراسة أموالا منقولة أو ثابتة وهي تخضع للأحكام المختصة بالوديعة العادية وللأحكام الآتية…

وبحسب المادة  720 من قانون أصول المحاكمات المدنية يعهد بالحراسة إلى شخص يتفق عليه جميع ذوي الشأن على تعيينه ( الحراسة الاتفاقية ) ويمكن أيضا تعيينه من قبل القاضي ( الحراسة القضائية ).

تنتهي الحراسة باتفاق جميع ذوي الشأن أو بحكم القضاء.

وللقاضي أن يقرر تعيين حارس:

  • للشيء الذي يكون موضوع نزاع أو موضوع علاقات قانونية مشكوك فيها إلى أن يزول النزاع أو الشك أو للشيء الذي يعرضه المديون لإبراء ذمته،
  • للأموال المنقولة وغير المنقولة التي يخشى صاحب الشأن لأسباب مشروعة أن بختلسها واضع اليد عليها أو يتلفها أو يعيبها ،
  • الأموال المنقولة المؤمنة لحق الدائن إذا اثبت الدائن عجز مديونه أو كان لديه من الأسباب المشروعة ما يحمله على الخوف من هربه أو إختلاسه لتلك الأشياء أو تعيبها .

ويتبين مما تقدم أن الحراسة القضائية التي تفرض بحكم من المحكمة إما باتفاق الفرقاء وإما بغير موافقتهم، إن هذه الحراسة موضوع البحث تختلف عن الحراسة الاتفاقية أو الاختيارية والتي تعتبر عقد وديعة يتفق بموجبه الطرفان المتنازعان بشأن مال معين على إيداعه تحت يد حارس يقوم بحفظه وإدارته حتى انتهاء النزاع بحيث يرد هذا المال إلى من يثبت أنه صاحب الحق فيه.

أما عن خصائص الحراسة القضائية فيمكن تلخيصها بما يأتي:

  • أنها تدبير إحتياطي، ذلك أن الحراسة في الأصل ليست من وسائل التنفيذ الجبري على المدين الممتنع عن الوفاء، ويميل البعض إلى الاعتقاد بإمكانية فرض الحراسة لاستيفاء الحق كلما ثبت للقضاء أن ثمة خطراً على هذا الحق إذا ترك صاحبه وشأنه لإجراءات التنفيذ العادية كأن يقوم الدليل على أن المدين يضع العقبات في طريق دائته بالتواطؤ مع الغير أو بمحاولة تهريب أمواله عن طريق التصرف بها تصرفاً صورياً أو ما إلى ذلك من الصور التي يتوافر معها ركن الخطر والتي تختلف بإختلاف ظروف كل دعوى.
  • أنها تدبير وقتي بحيث أنها استمرار بقاءها يرتبط ببقاء الأسباب المبررة لفرضها فمتى زالت تلك الأسباب انتفى معها مبرر فرض الحراسة ووجب رفعها، ويلاحظ أنه إذا قضي برد طلب فرض الحراسة فإن ذلك لا يحول بالضرورة دون إمكانية فرضها في مرحلة لاحقة إذا تبدلت الظروف التي حالت دون فرضها في السابق أو إذا استجدت ظروف تبرر فرضها،
  • أنها تدبير تحفظي، لا يتعرّض لأساس المنازعة ولا يفصل في الحق موضوع المنازعة ولا يؤثر فيه. وبالتالي إذا ما تقرر هذا التدبير لمصلحة أحد فريقي النزاع فذلك لا يعني على الإطلاق إقرار هذا الأخير في مكتسبه والاعتراف له بالحق موضوع المنازعة لا بل من الممكن أن يقضى بهذا الحق للطرف الذي لم يعين حارساً، ومن المفيد الإشارة إلى أن القضاء وفي معرض اختياره للطرف الذي يعين حارساً على المال موضوع المنازعة يأخذ بعين الاعتبار معايير عدة قد يكون من بينها معيار الفريق الأجدر بالمحافظة على المال أو الفريق الذي يحتفظ بالمال في مرحلة المنازعة أو يمكن له اختيار من هو غريباً عن تلك المنازعة فيعهد إليه بتلك الحراسة وما ذلك إلا توسلاً لتفعيل هذا التدبير التحفظي بالشكل الموصوف أعلاه.

شروط فرضها:

من التدقيق في النصوص القانونية التي ترعى الحراسة القضائية ولاسيما المادة / ٥٨٩/ من قانون أصول المحاكمات المدنية معطوفة على المادة / ٥٧٩/ منه كما والمادة / ۷۲۰/ من قانون الموجيات والعقود يمكن القول بأن إختصاص قاضي الأمور المستعجلة لفرض الحراسة القضائية يتحقق كلما توافرت شروط إختصاصه بصورة عامة وشروط الحراسة المبينة في قانون الموجبات والعقود بمعنى أن الحراسة لا يمكن فرضها من قبله إلا في حال توافرت الشروط الآتية مجتمعة:

 (1) تحقق عنصر العجلة ووجود الخطر،

 (۲) عدم التعرض لأصل الحق،

 (۳) قيام نزاع حول المال موضوع الحراسة،

 (٤) قابلية هذا المال لتسليم إدارته إلى الغير،

ولكن قبل بحث تلك الشروط أي البحث في الاختصاص النوعي لقاضي الأمور المستعجلة أو حتى لمحكمة الموضوع التي يمكنها أن تقرر فرض الحراسة نشير إلى أنه من الطبيعي أن تكون المنازعة في أساس الحق داخلة في الاختصاص الوظيفي للقضاء العدلي ومن خلاله قاضي الأمور المستعجلة بحيث أنه متى خرج النزاع في أساس الحق عن إختصاص القضاء العادي أي العدلي فإن دعوى الحراسة تخرج بالتالي عن إختصاص القضاء المستعجل.

كما ونشير إلى أن قاضي الأمور المستعجلة المختص مكانياً للنظر بدعوى الحراسة هو إما القاضي المنفرد الذي يدخل أساس النزاع في إختصاصه أو في إختصاص الغرفة الابتدائية أو أي محكمة أخرى يكون في دائرتها وإما القاضي المنفرد الذي نشأ في دائرته موضوع الدعوى المستعجلة.

أما عن شروط فرض الحراسة المعروضة أعلاه فسوف نعرضها وفقاً للتسلسل التالي:

أولا: تحقق عنصر العجلة ووجود الخطر

يتبين من مراجعة المؤلفات الفقهية أن جانباً من الفقه يفصل في تحديده للشروط المفروضة لتقرير الحراسة بين شرطي العجلة والخطر ويعتبر كلا منهما شرطاً مستقلاً، إلا أننا نعتبر أن العجلة في حالة الحراسة القضائية تتمثل في الخطر الذي يطال المال المطلوب وضعه تحت الحراسة وبالتالي فإنه لا يمكن فصل شرط العجلة عن شرط الخطر، لا بل أكثر من ذلك فإن العجلة في أساس تعريفها هي الخطر الحاد الذي يلزم درؤه بسرعة لا تكون عادة في التقاضي العادي ولو قصرت مواعيده.

و من مواصفات الخطر موضوع البحث أن يكون داهما وقد وصل إلى مرحلة حادة، وأن يكون جدياً وغير موهوم في ذهن المدعي أو مفتعل من جانبه من خلال تصرفات صدرت عنه خدمة لطلب فرض الحراسة وقد أشارت المادة / ۷۲۰ / من قانون الموجبات والعقود المشار إليها أعلاه، أشارت وبالخطوط العريضة للحالات التي يتحقق فيها الخطر موضوع البحث كالخطر المتمثل بتحقق أسباب مشروعة يخشى معها اختلاس واضع اليد على المال أو أن يتلفه أو أن يعيبه وكذلك تحقق الأسباب المشروعة التي يخشى فيها من تهريب المال المنقول المؤمن لحق الدائن.

          ومن المعلوم أن حالات الخطر التي توفر العجلة الموجبة لتقرير الحراسة القضائية لا تدخل تحت الحصر بحيث أنها تختلف بإختلاف الظروف والأحوال على أن يترك تقديرها للقاضي الذي ينظر دعوى الحراسة مع التنويه أن تظهير قاضي الأمور المستعجلة للخطر الموجب لفرض الحراسة يستدل من ظاهر المستندات توصلا لتحديد إختصاص هذا الأخير الذي لا يملك سلطة الغوص والبحث في أساس الحق على النحو الذي سيلي بيانه علماً أن تقدير القاضي لتوافر الخطر من عدمه لا يخضع لرقابة المحكمة العليا متى كان هذا التقدير قائما على أسباب تجعله مقبولا.

ثانياً: عدم التعرض لأصل الحق

إن دعوى الحراسة القضائية كغيرها من الدعاوي التي تدخل في إختصاص القضاء المستعجل عموماً تفترض تحقق شرط عدم التعرّض لأصل الحق، وعليه، متى وجد قاضي الأمور المستعجلة أن الفصل في التدبير المطلوب منه يستوجب لزاماً الغوص في الأساس والتعرض لأصل الحق أعلن عدم إختصاصه وقضى برد الطلب.

وفي المقابل فإن حرمان قاضي الأمور المستعجلة من التعرض لأصل الحق لا يعني حرمانه مطلقاً من تفحص الأوراق المعروضة أمامه وإن من حيث الظاهر وذلك ليس من أجل القضاء في موضوع المنازعة بل في سبيل التحقق من توفر شروط إختصاصه وتالياً القضاء في التدبير المطلوب منه،

وللتذكير فإن قاضي الأمور المستعجلة لا يتقيد بطلبات الخصوم، فله إذا ما رأى مقاربة النزاع من جانب معين قد يمس الحق في الموضوع أن يستعمل سلطته في تحوير طلبات الخصوم ،

وكما أن الشرط موضوع البحث يمنع على قاضي الأمور المستعجلة التعرض لأصل الحق قبل تقريره الحراسة أي أثناء النظر بالدعوى فإنه هذا الشرط يمنع عليه هذا التعرض بعد صدور قراره بتقرير الحراسة وذلك من خلال مدى السلطة المخولة للحارس.

وفي هذا الصدد، وعلى سبيل المثال يمنع على الحارس القضائي توزيع صافي الربح على الشركاء عندما تكون حصصهم في الشركة موضوع منازعة، توزيع صافي ربح أموال التركة في حال الخلاف بين الورثة على الأنصبة الإرثية، دفع صافي الربح لأحد الخصوم المتنازعين في الملكية قبل صدور حكم لصالحه بملكيته وحده للأموال الموضوعة تحت الحراسة….

وفي المقابل، يسمح للحارس القضائي القيام بجميع أعمال الصيانة وإدارة المال الموضوع تحت الحراسة كإجراء الإصلاحات الضرورية والترميمات اللازمة للمال الموضوع تحت الحراسة أو تأجير هذا المال لمدة قصيرة وسداد الديون المتوجبة دون أن يتعدى ذلك إلى الأعمال التصرفية كبيع الأموال في سبيل سداد تلك الديون إلا أنه من الممكن في بعض الحالات وهي نادرة ونادرة جداً أن ترخص المحكمة للحارس القضائي بالتصرف بالمال الموضوع تحت الحراسة كالسماح للحارس ببيع هذا المال في حال استبان له أن يخشى عليه من التلف أو هبوط القيمة.

ثالثاً: قيام نزاع حول المال موضوع الحراسة

إن التعرف على ما يقصد بالنزاع موضوع هذا المبحث يمكن من خلال الاستدلال بما نصت عليه المادة ۷۲۰ من قانون الموجبات والعقود السالف بيانها بحيث ينصب على المال المنقول أو العقار كما كل منازعة تتصل بهذا المال اتصالاً يفرض عدم بقائه في يد حائزه حتى ولو لم ينصب على المال بذاته..

في الواقع أن ما نص عليه المشرع اللبناني جاء ليحسم جدلاً ما زال قائماً، في ضوء واقع النصوص التشريعية في فرنسا التي حددت حالتي النزاع بتلك المتعلقة بالملكية أو بوضع اليد المادة / ١٩٦١ / من القانون المدني الفرنسي). فذهب رأي إلى حصر أوجه النزاع بالحالتين المذكورتين في حين أولى رأي آخر الحق للمحاكم بتعيين الحارس الفضائي ليس فقط في الحالتين المذكورتين بل في كل حالة يتراءى فيها للمحكمة ضرورة للمحافظة على حقوق الطرفين وضمان تنفيذ الحكم الذي سيصدر عن محكمة الموضوع ولكن بشرط أن تطلب الحراسة تبعاً لدعوى موضوعية يرفعها طالبها لتسلم شيء مادي معين أما الرأي الأخير وهو الراجح حالياً فيعتبر أن التعداد المبين في المادة المذكورة هو على سبيل الدلالة وليس على سبيل الحصر وبأن للمحاكم الحق في تعيين حارس فضائي كلما تراءى لها ذلك من واقع الدعوى وظروفها صيانة الحقوق الطرفين منعاً من ضياعها إذا استمرت الأموال في يد الحائز لها .

ومن الطبيعي أن يكون النزاع جدياً وعلى أساس من الصحة يؤكده ظاهر المستندات وظروف الحال بحيث لا يكفي مثلا لتقرير الحراسة مجرد القول من جانب المدعي بوجود هذا النزاع بينه والمدعى عليه دون أن يرتقي هذا النزاع إلى مرتبة الجدية.

وغني عن البيان أن تقدير تلك الجدية يجب أن يستخلصها قاضي الأمور المستعجلة من ظاهر الأوراق والمستندات وظروف الحال التي تختلف بإختلاف كل دعوى يُطلب فيها فرض الحراسة القضائية، ومتى كان تسبيب قرار قاضي الأمور المستعجلة سليماً فإن تقدير جدية النزاع المبررة لفرض الحراسة لا يخضع لرقابة المحكمة العليا.

رابعاً: قابلية هذا المال لتسليم إدارته إلى الغير

يشترط للحكم بالحراسة أن يكون المال موضوعها يقبل بحكم طبيعته أو بحكم الظروف المحيطة به أو بحكم التنظيم القانوني الذي يخضع له، يقبل أن يعهد بإدارته إلى الغير، فإذا إنتفى أو تعذر ذلك أعلن قاضي الأمور المستعجلة عدم اختصاصه وقضى برد الطلب.

وعلى ذلك فإن الأموال المشمولة بالحصانات لا يمكن وضعها تحت الحراسة والأموال التي لا يمكن إدارتها إلا من خلال التنظيم القانوني الخاص بها كالأموال العامة مثلاً لا يمكن وضعها تحت الحراسة أيضا، وكذلك الحال بالنسبة إلى بعض الأموال التي يتعذر إسناد إدارتها إلى الغير في ضوء الظروف المحيطة والقوانين الخاصة بها وطبيعة المهنة كمكاتب المحامين وعيادات الأطباء…

في المقابل، ليس ما يحول قانوناً دون فرض الحراسة القضائية على الصيدليات، وعلى الكنائس إذا اقتصرت تلك الحراسة على منقولات الكنيسة وتحصيل الاشتراكات ودفع التبرعات دون أن يتجاوز ذلك ليمس بالسلطان الروحي لغبطة الرئيس الديني للكنيسة، وعلى المدارس والمعاهد التعليمية، والنقابات والأندية الاجتماعية أو الرياضية..

وكذلك يجوز فرض الحراسة القضائية على المال الذي يقبل أن يعهد بإدارته إلى الغير مهما كانت طبيعته ويستوي في ذلك أن يكون المال عقاراً أو منقولاً أو مجموعة من الأموال (كأموال التركة) مفرزاً أو شائعاً يشغله المدعى عليه أو مؤجراً للغير مادياً أو معنوياً ….

المصدر : الملفات – جميع الحقوق محفوظة لمكتب المحامي روجيه نافذ يونس للدراسات والإستشارات القانونية © 2023