من “أبطأ” او “أبطل” المسعى الفرنسي ولمصلحة اي سيناريو؟
اوحى بيان وزارة الخارجية الفرنسية الذي فاجأ اللبنانيين امس، بأنه عكس تبديلا مهما في موقف الراعي الفرنسي لأكثر من مهمة رئاسية. ولذلك فإن تاكيدات المتحدثة باسمها آن-كلير ليجاندر أنّ باريس “ليس لديها أيّ مرشّح في لبنان لرئاسة الجمهورية” حملت الكثير من التفسيرات والرسائل المتعددة وفي أكثر من اتجاه.
وان بررت الخارجية الفرنسية أنها اضطرت للرد على مجموعة الروايات والسيناريوهات التي تبادلتها وسائل إعلام لبنانية عن الدور الفرنسي في دعم الوزير السابق سليمان فرنجية لهذا المنصب الشاغر، معطوفا على التفاهم المسبق من اليوم على اسم السفير القاضي نواف سلام لرئاسة الحكومة، فقد تجاهلت الاشارة بوضوح الى تلك الوسائل العربية والغربية التي أسهبت في الحديث عن المشروع عينه، مع المزيد من التفاصيل التي تؤكد هذا السيناريو في ظل التأكيدات التي عبر عنها أكثر من قيادي لبناني ومسؤول كان على لائحة زوار الاليزيه حيث يزاول مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الاوسط باتريك دوريل مهامه في إدارة الملف اللبناني بالتنسيق بين باريس ومجموعة العواصم الاربعة الاخرى واشنطن، الرياض، الدوحة والقاهرة التي انضوت تحت لواء اللقاء الخماسي من أجل لبنان الذي عقد في ضيافتها في السادس من شباط الماضي.
وعلى هذه الخلفيات توسعت مراجع ديبلوماسية في تعداد التفسيرات والسيناريوهات التي رافقت صدور البيان بعد ظهر الخميس الماضي وتلته. وخصوصا أنها استنسخت في موقفها الجديد الدعوة التي أصر عليها نظراءها الأربعة الذين اكدوا ان “على اللبنانيين اختيار قادتهم”، وأنّ “على الجهات اللبنانية تحمّل مسؤولياتها وكسر الجمود السياسي لانتخاب رئيس جديد بسرعة، لوقف ما سموه الشغور الذي يلقي بظلاله أولاً على الشعب اللبناني”..
ولما انتهت المتحدثة الفرنسية الى القول ان ” الأمر يتعلق بانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة مع كامل الصلاحيات تكون قادرة على تنفيذ الإصلاحات التي يحتاجها لبنان والشعب اللبناني بشكل عاجل في مواجهة الأزمة الخطيرة التي يمرّان بها”، تكون قد اكدت – من حيث تدري او لا تدري – قبل ان تنهي بيانها على اصرارها على “الصيغة الثنائية” التي طرحتها في مواجهة الازمة بـ “الربط بين رئاسة الجمهورية والحكومة اللبنانيتين”. وان تخلت عن الاسم المطروح فإنها لم تتجاهله حتى أيام قليلة سبقت توقيت اصدار هذا البيان في شكله ومضمونه.
وتضيف المراجع عينها: كان آخر الزوار المعلن عنهم رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل الذي أكد في عدة اطلالات تلت الزيارة، ان باريس لا زالت تصر على اسم “مرشح حزب الله”. وما زاد الحدة في موقفه تأكيده “ان باريس لم تكن يوما تعمل ضد مصلحة لبنان” قبل ان “يطلب البحث بأي صيغة أخرى”. متماديا بالتشدد في انتقاد الطرح الفرنسي موعزا الى المكتب السياسي للحزب الذي عقد اجتماعه في اليوم التالي للقائه ودوريل بتكرار التأكيدات على رفض “الاستسلام لمرشح حزب الله” في رسالة مزدوجة عدت باتجاه الموقف الفرنسي اولا، ومرشحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. رغم انه ميز وفصل بطريقة لا يرقى إليها اي شك بين علاقاته الشخصية مع فرنجية والتأكيد على خطورة أن كل منهما يفكر بطريقة مختلفة عن الآخر، وأن لكل منهما مشروعا يتناقض وثوابتهما السياسية والوطنية.
وعلى هامش هذا النقاش، تحدثت المراجع الديبلوماسة عن بداية تطور في الموقف الفرنسي يبعد باريس عن منطق الحديث عن أسماء محددة كما أصرت حتى الأمس القريب، لتصطف إلى جانب نظرائها الأربعة في الحديث عن مواصفات مطلوبة في الرئيس العتيد وما هو مطلوب منه، بطريقة لا تنطبق مع إصرارها على مرشح محدد. وهو ما يزيد الغموض الذي ما زالت مواقف الدول المعنية تلقي به على الساحة السياسية وهو سمح بتعدد التفسيرات بطريقة قدمت رغبات البعض وامنياتهم على ما حققته الاتصالات التي لم تحسم بعد لصالح هذا المرشح او ذاك مهما تعددت التسريبات المتبادلة بين من تبنى هذا او ذاك من لائحة المرشحين التي تصغر وتكبر بين وقت وآخر حسب الاهواء بعيدا عن اي معلومات دقيقة وحاسمة تسمح بالحديث عن ابطال المواجهة الحقيقية في السباق القائم باتجاه قصر بعبدا.
ولكن، وعلى الرغم من تعدد هذه الروايات، فان بعضا منها يتقدم على سواها مما هو متداول به. ومنها واحدة أطلت بقرنها قبل أيام قليلة، سبقت الاطلالة الاعلامية اللافتة التي قام بها فرنجية من بكركي مطلع الاسبوع الجاري في إطار خطة قالت بوجود طرح تقدم به حزب الله لدى القيادة الايرانية، طالبا القيام بمبادرة ما لدى الجانب السعودي تتناول الاستحقاق الرئاسي في لبنان لعلها تشكل مخرجا للمأزق القائم في ظل المراوحة الداخلية والخارجية ولعلها تنهي الحديث عن المواصفات تسهيلا لإسقاطها على الاسماء بطريقة قد تؤدي الى حصر لائحة المرشحين الجديين المحتملين لخوض المعركة بشكل محصور تسمح بالدعوة الى جلسة نيابية انتخابية تحافظ على الحد الادنى من الوجه الديمقراطي للنظام في لبنان قد تحيي “غموضا بناء”. لأنه وفي حال تم التوصل الى هذه الصيغة قد تشكل مخرجا لمجموع المآزق التي تعانيها منظومة السلطة الحالية الغارقة في بحر الصفقات والتسويات التي تطيل عمر خلو سدة الرئاسة بدل الإسراع في تقليصها .
وفي التفاصيل تكشف هذ المراجع عن قراءة مؤيدي فرنجية للشروط التي تبلغها من دوريل قبل اسبوعين تقريبا، معتبرة أنها لم تكن بحجم الأزمة المطروحة، ولم تقنع احدا من المحور المؤيد له لتتجنب القول بأنها كانت “سخيفة” عند الحديث عن مجموعة استحقاقات كبرى لا تقف عند حدود صلاحيات الرئيس وقدرته بمعزل عن شركائه في الوطن والاقليم ان كانوا لا يريدونها.
وعليه طرحت الاسئلة على الشكل التالي:
هل بالامكان تحميل رئيس الجمهورية اللبنانية المقبل مسؤولية اعادة النازحين السوريين ان لم يرد النظام ذلك؟.
وهل يمكن تحميل الرئيس العتيد ايضا مسؤولية ترسيم الحدود البحرية مع سوريا ان لم تكن تريد ذلك هي ايضا؟
وهل يمكن تحميل رئيس الجمهورية مسؤولية التوصل الى الاستراتيجية الدفاعية ان لم يردها حزب الله؟ وقد مضى على “تفاهم مار مخايل” 17 عاما ومن بينها ست سنوات لأحد طرفيه في الحكم ولم تتم مقاربتها ان لم تكن كل الممارسات قد صبت في عكس ما هو مطلوب منها ومن اجلها؟
وهل بامكان باريس ان تستدرج شركاءها الاربعة الى جانبها وهو ما لم يثبت بعد؟ وهل هي في الموقع القيادي في ظل التشكيك الذي عبر عنه “الثنائي الشيعي” الذي يطلب الموافقة السعودية بانتظار معرفة الثمن المطلوب وتقديره لحجمه وكيفية تسديده؟
ولذلك، يبدو الرهان ضعيفا ان كانت المبادرة الجديدة لـ “حزب الله” او “الثنائي الشيعي” قادرة على العيش لتكون بديلة من المسعى الفرنسي؟ او ان يكون بقدرة طهران ان تأتي من الرياض بمحاور او عناوين الصفقة المحتملة التي يمكن التوافق بشأنها بين طهران والرياض تمهيدا لترجمتها او فرضها في لبنان بعد أن تقدر الكلفة النهائية والحقيقية للشروط السعودية بمعزل عن باقي الاطراف المنغمسة في البحث عن حلول للازمة اللبنانية.
وختاما تعترف المراجع أن دون هذه الخطوة محاذير عدة لما تثيره من تساؤلات لا اجوبة عليها حتى اليوم. ولعل ابرزها يلخص بإمكان رفع إيران يدها عن ملف لبنان وخصوصا ان اكتفت – كما تردد حتى اليوم – بأن ما عليها تقديمه للرياض في اليمن والبحرين والخليج الفارسي او العربي كاف ليكون ثمنا لـ “تفاهم بكين”؟!
المصدر :المركزية- طوني جبران