مشنوقاً بـ “البوكسر”.. حكاية عبدالله “عبد” المخدرات
خاص – موقع الملفات
كان عم يتدمّر قدام عيوني، عم يموت عالبطيء. ما بعرف شو بدي قول، شو بدي أحكي، كتير تعذبت معو، كتير ضحيت معو، وبالآخر ؟ صار عبد إلها. شنق حالو، نهى حياتو ونهى حياتي، نهى حياة عيلة بكاملها، لسبب شو؟”، بهذه الكلمات النابعة من قلب محروق تروي أم عبدالله قصّة ابنها، فلذة كبدها، والدموع تنهمر على وجنتيها.
عيونها تحكي ألف قصةٍ من قصص القهر، فولدها عبدالله أنهك روحها منذ أن كان في سن الخامسة عشرة من عمره، “دمرني ما عاد عندي حياة، 15 سنة راحت من عمري ما عرفت كيف، كان همي وقِف ابني ع إجريه حتى ما يغرق أكثر وأكثر، أما هو فكل منو عم يورط حالو ويا ريت وقف هون“.
حكاية عبدالله تختصر حكاية عشرات آلاف الشبان الذين وقعوا في حفرة الإدمان المظلمة، من دون أن يدركوا هول هذا السقوط، ننشرها اليوم بناء على رغبة والدته علّها تستطيع مدّ يدها لأي شخص وقع ضحية المخدرات وتنقذه قبل فوات الأوان، “أنت ما عم تدمّر حالك بس عم تدّمر عيلة بكاملها، عم تدمر أمك أكتر شي، أنت أنسان أناني ما عم تفكّر إلا بنفسك، بترجّى كل مدمن يسأل أنسان إلو تاريخ بالمخدرات لوين وصلتو، يسأل كل أم راكعة قدّام قبر ابنها شو صار فيها من بعدو“.
من سيغارة و”مجة” إلى الهلاك
في سن الخامسة عشرة، بدأ عبدالله يُصبح غريب الأطوار، تصرّفاته غير معتادة، فمن ﺷﺨﺼﻴﺔ هادئة الطباع ﻣﺘﺰﻧﺔﻭﻣﺘﻮﺍﺯﻧﺔ إلى عصبيّة مفرطة من دون وجود أسباب منطقية، قلق دائم يرافقه حالات من الاكتئاب والعزلة وهلاوس سمعية وبصرية، هذه العوارض وغيرها أثارت شكوك والدته حولإمكانية وقوع ابنها في طريق الإدمان.
“ولكن مهلاً أي إدمان هذا، لا زال طفلاً مراهقًا”، فكرة رافقت أم عبدالله لشهور طويلة إلى أن تأكدت من صحتّها بعد تدخل أحد كبار فعاليات المنطقة التي تقطنها، وتقول: “حسيت في شي بعبدالله مش مزبوط، صرت أسأل الكل، كلن يقولوا ما في شي، لحد ما شفتوا عم يمشي مع شباب مش مناح بيتعاطوا حشيش ترامال هيك أشياء“.
مجالسة ومصاحبة رفقاء السوء أوصلته إلى تلك الحالة، البداية كانت بسيغارة حشيش و”مجّة” على حد قولها، إلا أن الحال التي وصل إليها عبدالله في سن مبكرة ورسوبه المتكرّر في الامتحانات الرسمية أجبرت والدته على اتخاذ القرار والوقوف بوجهه “حتى ما تروح حياته هيك”، فأدخلتهإلى ما يقارب أحدَ عشر مركزًا من مراكز العلاج والتأهيل في لبنان، ولكن من دون أي نتيجة تذكر. إذ كان يمكث لأشهر ثم يفرّ من هناك إلى طريق الهلاك مباشرة، ومن مركز إلى آخر والنتيجة عينها: “كان مفكر أنو التعاطي رح يخليه بدنيا تانية، بحياة تانية، يوعدني أنو خلص وقف ورح يوقف على أجريه، يهرب من المركز أرفضو ما استقبلو بالبيت بركي بيرجع على المركز بس للأسف كل هالعذاب من دون نتيجة، ما خليت شي ما عملتو، يمشي شهر مزبوط ويرجع ينتكس وهيك قضيناها“.
عبد للمخدرات
إدمان عبدالله لم يقتصر على مادة أو صنف محدّد، بحيث أصبح يتعاطى عدة أنواع في الوقت عينه كالهيرويين، الكوكايين، الترامال وغيرها من السموم، “كان يخلط كتير، كان ياخد كميات كتير كبيرة، يهلوس يصير يركب أدوية عن الغوغل حتى أدوية القلب ما وفرّها، بهل الفترات كان فيكتير وهلات، مأوفر أكتر من مرة وصل للموت ما بعرف كم مرة”، تروي والدته.
تخطى ابنها البكر الإدمان حتى أصبج عبدًا للمخدرات وأسيرًا لها، بات مستعدّاً لتنفيذ أي شيء فقط للحصول عليها وفي حال تجرّأت والدته على منعه، كان لا يتردد في ضربها وتعنيفها، “كان يضربني من بعد ما جرب وقفو، وعا يا أمي أيش عم تعمل! أنت تخطيت الإدمان تخطيت كل شي أنت صرت عبد للمخدرات، ممكن تقتل حتى تحصل عليها وتأمنّها، أنت عبدها هي مسيطرة عليك مش أنت“.
ولكن بالرغم من الوضع النفسي المأسوي الذي كانت تعاني منه من جهة، والوضع المادي من جهة أخرى، لم تستلم في سبيل خلاصه، ” إجا وقت ما بقى معي ولا ليرة، بس هو بالذات أي شي لطريق الخلاص كنت أركض اتدين، بهمني حطو ببرّ الأمان وأنا بدبر راسي، كنت قلّو خلّص راسك أنت وشو بدك مني، بس هو ما عندو النية، هلكني وهلك حالو…”.
الضربة القاضية
المأساة لم تقف هنا، بل تعدّت إلى ما هو أكثر من ذلك تحديدًا بعد وقوعه في حب فتاة، هذا الحب كان الضربة القاضية له، ووفقًا لرواية والدته “تعرّف على بنت ما فيي قول عنها أنها أنسان، كانت تأمنلو راشيتات ريفوتريل يقدر يجيب قد ما بدو، كنت حسّها شبح الموت، لأ هي الموتبحد ذاته“.
ومن ضحية إلى مطلوب للدولة، هكذا أصبح عبدالله، بعد عمليات بيع قام بها لتأمين السمّ الذي يتعاطاه، إذ كان يستخدم تلك الورقة للاستحصال على الأدوية من ضهر الباشق ثم بيعها.
شنق نفسه بـ”البوكسر“
هذه المرة اختلفت عن سابقاتها، فما أقدم عليه أوصله إلى خلف القضبان، والمدمن تحوّل إلى سارقٍ حتى يستطيع تأمين المخدرات “لا سرق حتى ياكل ولا تيحط ذهب ولا سرق حتى يجيب سيارة، سرق ليشتري حبة”. وبحسب رواية والدته سرق عبدالله قطعة من أحد المحال التجارية تقدر قيمتها بـ100 دولار، فتلقّت اتصالاً من صاحبها أبلغها فيه استعداده لمسامحته مقابل استرجاع حقّه، إلّا أنها رفضت، وطلبت الإبلاغ عنه علّها تستطيع إنقاذه قبل فوات الآوان، بحسب اعتقادها، “طلبت منو يتشكّى عليه، قلي يا أختي هي سرقة! قلتلو سرقة مش فرقانة معي ينحبس على أنو يموت“.
وتلك كانت المرة الأخيرة التي دخل فيها عبدالله المنزل قبل أن تأتي الأجهزة الأمنية وتوقفه، “قسّيت قلبي بدي مصلحته سلمتن ياه بإيديي”. وهكذا انتقل من المنزل إلى الزنزانة بعد اعترافه بجرائمه.
6 أيام مرّت على عبدالله وجلّ ما يطلبه مقابلة والدته، “راح على الحبس وصار يطلب ورايي ما كنت أقبل روح بركي بحسّ بغلطه، قلن ما بهمني أمره، قلبي من جوا عم يفرك بس ما عندي حلّ بدي أربح ابني مش أدفنه تحت التراب، ما عم بسأل عنه حتى أربحه، أنا مش تاركته بس ما في غير حل بدي أقسى عليه“.
إلى أن أتى اليوم المشؤوم على حد قولها، “نهار الأربعاء بدقولي، بيكتبلن على ورقة بدي أمي، طلبو الوحيد أمه كان، هون بطل فيي طلعت تاني يوم قلي قربي لشوف هالوج الحلو، سامحيني أنا غلطت وعذبتك كتير طلعيني من هون، قلتله بكير يا أمي لتحس بذنبوك، قلي سامحيني قلتله أنامسامحتك من قبل ما أنت تطلب السماح، بس أنا حميتك من المخدرات بس ما راح سامحك على السرقة، تركته ونزلت ما قدرت أتحمل“.
في اليوم التالي، أقدم على شنق نفسه، “كان حاطيت براسو بدو يقتل حالو بس ناطر ليشوفني قبل ويودعني ضل ناطرني لإطلع ويطلب السماح بس طلعت قتل حالو، يا ريت متت قبل ما اطلع، شلح البوكسر وشنق حالو في بثواني“.
في ختام هذه الشهادة المؤلمة، لابد لكل مدمن أن يعلم أنه أمام 3 خيارات مظلمة جميعها أسوأ من بعضها، فإما القبر، أو السجن، أو مستشفى الأمراض العقلية.
نعم هذه هي نهاية الطريق، ولا نهاية رابعة.
أما أنت أيها القارئ “أوعى تخلّيها تغرّك“…
المصدر : خاص – موقع الملفات