الفساد التجميلي.. كواليس وخفايا هذا العالم!
خاص الملفات
يبدو أن المقامرة بمظهرٍ أفضل تستحق المُخاطرة بالحياة والوقوع في براثن الفساد، أقلّهُ بالنسبة لأولئك اللّاهثين وراء وهم الكمال، وبأيّ ثمنٍ! فتجدهم ينجرفون خلف عروض رخيصة أو بريق إعلاني كاذب ومخادع، ليكتشفوا بعدها أنه غُرّر بهم من قبل “دكاكين” التجميل المنتشرة من أقصى شمال لبنان إلى أقصى جنوبه، وليسوا إلّا ضحايا لصفقة تجارية أبرمت بين طرفين، أو أكثر، ينخر فيها الفساد كالسرطان.
في هذه القضية، الوقائع والحقائق لا تُشبه مطلقاً فحوى الإعلانات التجارية المضلّلة، بل تُنذر بكارثة قد تقضي على سمعة لبنان الطبية والتجميلية إذا لم يوضع لها حدّ، لاسيما مع تزايد الحديث عن مراكز مرخّصة وغير مرخّصة وكوادر غير متخصّصة ومؤهلة تستغل التهافت غير المسبوق على الجراحات التجميلية من مختلف الأجيال، لتوقع عشرات الضحايا، نساءً ورجالاً، صغاراً وكباراً، في فخ الاستهتار والاستباحة واسترخاص الأرواح.
أطباء متواطئون
يتضح من وقائع هذا الملف ومعطياته التي استحصل عليها موقع “الملفات”، أن القطاع التجميليّ في لبنان يغرق بالفساد والفوضى كسائر القطاعات، إلا أن الفساد هنا ينقسم لعدّة أقسام، وفقاً للوقائع والمعلومات التي جاءت على لسان مستشار نقيب الأطباء للشؤون التجميليّة والناطق الرسميّ أيضاً باسم مجموعة أطباء “doctor’s in front”، الدكتور رائد رطيل، والتي نسردها تباعاً وكما هي من دون زيادة أو نقصان أو حتى تبني ما جاء فيها، وفي تفنيد مفصّل لها.
يأتي في مقدمة تلك الوقائع، فساد بعض الأطباء من حملة شهادات الجراحة العامة وأحياناً من خريجي الطب العام، الذين يسوّقون لأنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي كخبراء تجميل وأطباء متخصّصين، بالإضافة إلى منتحلي الصفة وهذا الانتحال يشمل كل طبيب لم ينهِ “الكولوكيوم” في لبنان، وحتى طلاب الطب الذين ما زالوا على مقاعد الدراسة. وهنا لا بد من لفت النظر بحسب د.رطيل إلى أن اختصاص التجميل منوط بـ 4 اختصاصات فقط: أطباء الجلد، أطباء الأذن والأنف والحنجرة وجراحة العنق، أطباء التجميل وأطباء جراحة الوجه والفكين، وهم وحدهم من يحق لهم القيام بالعمليات التجميليّة.
يلي ذلك تورّط بعض الأطباء غير الاختصاصيين مع المراكز التجميليّة، مقابل مبالغ مادية يتقاضونها شهرياً، لقاء تسهيل حصول تلك المراكز على التراخيص من وزارة الصحة بأسمائهم كأطباء متفرغين للعمل في هذه المراكز، فيما الواقع معاكس تماماً، إذ يعمل مكانهم منتحلي الصفة غير المخوّلين للتعامل مع الزبائن أو إجراء أي عملية تجميلية مهما كان نوعها. وهنا تؤكد معلومات موقع “الملفات” أن هؤلاء في مرمى الملاحقة القانونية مع الأطباء المتواطئين معهم والمتستّرين على جرائمهم طمعاً بالعملة الخضراء، علماً أن هناك شبهات عديدة تدور حول حماية غير سياسية يتلقّاها هؤلاء من نافذين!
واللافت بحسب هذه المعطيات، وجود أكثر من 200 مركز تجميل، قدموا أوراقهم إلى وزارة الصحة للاستحصال على رخص، ولكن وفقاً للطريقة المذكورة أعلاه، وذلك عقب الحملة الأخيرة التي قامت بها الدائرة القانونية لمجموعة “روّاد العدالة”، بالتعاون والتنسيق مع الدكتور رائد رطيل ومجموعة أطباء “doctor’s in front” بعد تلقيهم عشرات الشكاوى من الأشخاص المتضرّرين أنفسهم.
شهادات مزوّرة
الفساد لم ينته عند هذا الحد، بل وصل إلى ما هو أخطر من ذلك بكثير، إن لجهة الشهادات المزوّرة التي يُقدم البعض على شرائها من الخارج وتحديداً من بلدان مجاورة مقابل مبلغ مادي يتراوح بين الـ 20 و30 ألف دولار، أو من جهة الدورات التدريبية التي يُجريها منتحلو صفة أطباءتجميل وبعض الأطباء غير المخولين.
في الشقّ الأوّل، يكشف د.رطيل عن أحد الأطباء المشكوك بأمرهم، والذي عمد إلى شراء شهادته من الخارج ثم مزاولة مهنة الطب التجميليّ، إلى أن وقعت الكارثة وأصيب أحد مرضاه بالعمى بعد حقن خاطئ ومن دون معرفة بالوجه وشرايينه ومكان الأعصاب والعضل فيه، أما الحل هنا لغض النظر عن مصيبة كهذه فكان التستر عنها بمبلغ 57 ألف دولار.
وتطرق أيضاً في سياق حديثه، إلى أحد الأطباء الذي يقوم بإرسال منتحلي الصفة إلى الخارج، كقبرص مثلاً أو إيطاليا، حيث يشاركون في دورة مدّتها ثلاثة أيام، ويستحصلون بعدها على شهادة تسمح لهم بممارسة المهنة كإختصاصيين، وبعد العودة مباشرةً يتم تسجيلها في وزارة التربية وتصديقها لدى كاتب العدل.
أما في الشق الثاني، فيتبيّن أن هناك دورات تجميليّة تدريبيّة تُنظم خارج المراكز الطبية، ويوزّع فيها عشوائياً شهادات يُقال أنها رسمية، إلّا أنها غير مصادق عليها أو معترف بها من قبل وزارة الصحة. هذه الدورات المحظورة في القانون اللبناني، تُقام في بعض الفنادق وتحديداً في منطقة بيروت، تستمر لمدة قصيرة، يومين إلى ثلاثة أيام، وتصل كلفتها إلى ثلاثة الآف دولار، يفرح في ختامها مدعي التخصّص. واللافت أن المشاركة لا تقتصر على منتحلي الصفة بل هناك عدد من الأطباء غير المخولين بمزاولة اختصاص الطب التجميليّ هم من بين المشاركين اللاهثين لشهادات كهذه!
الموت أو التشوّه
داخل كواليس مراكز التجميل التي لامس عددها التقريبيّ 500 مركز مرخّص يُقابلها 600 غير مرخص، يقع المحظور، بحيث يتجاوز البعض دوره وتخصصه و”بيفتحلها” على العمليات الجراحية والتدخلات الطبية الخطيرة، نظراً للدخل المرتفع الذي يمكن تحصيله من تلك العمليات والذي يفتح الشهية.
أخطاء فادحة وجسيمة، تشوّهات دائمة أو مؤقتة في أحسن الأحوال، التهابات قد تكون قاتلة وإصابات بالعمى، حالات موت خلايا الوجه والشفتين، فقدان لأجزاء من الجلد، انسداد في الشرايين، حقن الوجه بمواد مخصّصة لحقن المؤخّرة، كما أن هناك مواد منتهية الصلاحية وغيرها من الكوارث وبالجملة تُرتكب يومياً بحق السَّاعين إلى تحسين مظهرهم العام، وعلى يد أطباء غير متخصّصين أو مجموعة من منتحلي الصفة عددهم التقريبي يتراوح بين الـ 600 إلى 700 شخص، اعتدوا على مهنة الطب التجميليّ طمعاً بحفنة من الدولارات وحوّلوها إلى تجارة تدر الملايين، وفقاً لما ذكره الدكتور رائد رطيل، لموقع “الملفات”.
ما ذُكر أعلاه لا يعني عدم حدوث مضاعفات لدى أطباء الجراحى التجميليّة المتمرّسين وأصحاب الاختصاص أثناء إجرائهم للعمليات التجميليّة، ولكن ثمّة حداً فاصلاً بين الخطأ الطبيّ والمضاعفات الصحيّة التي قد تترتّب على العمليات، وهو الأمر الذي لا ينكره رطيل ويعتبره وارداً حتى بالنسبة إلى أمهر الأيادي. إلا أن المفارقة تكمن بحسب قوله كالتالي: عند الطبيب المختص، واحد من كل ألف مريض قد تحدث له مضاعفات، بينما عند منتحلي الصفة، كل 9 حالات هناك مضاعفة واحدة. ويلفت الانتباه إلى أنه ثمة خلط كبير بين مراكز التجميل والعيادات التجميلية التي لا تدار إلا من قبل طبيب مختص، منبهاً أنه حتى عملية حقن مادة “البوتكس” أو “الفيلر” لا تحق لأياً كان، وهناك شروط قانونية لمن يمكنه الحقن في لبنان.
يختلف الأمر بالنسبة للخطأ الطبي الذي قد يؤدي إلى نتيجة لا رجوع عنها، وغالباً ما يحصل لدى هؤلاء المعتدين على المهنة، إما عن قلة خبرة كونهم غير متخصصين أو متمرسين بالأعمال الجراحية، أو عن إهمال وقلة نظافة داخل تلك الغرفة المنعزلة الصغيرة غير المعقمة، والتي يستخدمونها كعيادة لإجراء العمليات، بالإضافة إلى استخدام مواد رخصية الثمن تؤدي إلى حدوث أضرار وتشوّهات، ولعلّ الأخطر من كل ما ذكر هو تعمّد الإيذاء من قبل البعض بدافع حفنة من المال، حسب قوله.
حقن مغشوشة
إذا توقّفنا لبرهة عند المواد المستخدمة في تلك العمليات والتي تباع للزبون بـ 20 و30 دولار، يتبين بحسب معلومات الموقع المتقاطعة مع أكثر من جهة عالمة بكواليس هذا العالم وقطبه المخفية، أنها مغشوشة ورديئة النوعية، وبهنا يكون المريض قد وقع ضحية حقن خاطئ وعمليات غش واحتيال ستكلّفه بالترميم والعلاج أكثر بكثير ممّا كانت ستكلّفه بالتجميل.
وتشير المعلومات إلى أن هذه المواد يتم استيرادها إما من الصين أو كوريا، ومعظمها مواد غير صالحة وغير مرخصة، تدخل إلى لبنان عبر التهريب إما من المداخل الشرعية أو غير الشرعية، تعبأ في عبوات تعود لمواد مصنّعة في أوروبا والولايات المتحدة وفرنسا.
كما تكشف المعلومات، عن قيام عدد من المراكز بشراء براميل تُقَدَّر سعتها بحوالي 2 لتر من مادة “الفيلر”، يتم تعبئتها في حقن “الأنسولين” بعد خلطها مع “ليدوكايين”، مع العلم أن إبرة “الفيلر” لا بد أن تكون مغلقة ومعقمة ويتم فتحها أمام الزبون.
الوزارة، أين؟
وسط حالة تبادل المسؤوليات بين جهات عديدة وعدم وجود رقابة أو محاسبة، يتساءل كثر عن دور نقابة الأطباء ووزارة الصحة في محاربة الفساد بالطب التجميليّ، وهنا تؤكد مصادر صحيّة متابعة لهذا الملف، أن مدير العناية الطبية في وزارة الصحة د.جوزيف الحلو، يمارس مهامه على أكمل وجه لردع المخالفين ولكن ضمن إمكانيات ضئيلة جداً، فهو على حد قول المصادر، يُرسل مراقبيه إلى المراكز، وبعد الكشف يتم إغلاقها بالشمع الأحمر، إلا أنه وبقدرة قادر يُعاد فتح المركز نفسه بعد أيام أو حتى ساعات، ولكن في منطقة أخرى. أما نقابة الأطباء، فبحسب المصادر جهودها مقدرة في هذا الخصوص، على أمل متابعة هذا الأمر الشائك والخطير إلى النهاية ومهما كلف الثمن.
وإزاء هذا الواقع، يطالب د.رطيل، وزير الصحة العامة الدكتور فراس الأبيض، بتحمّل المسؤولية وإكمَال مسيرته بالرغم من الشلل الحاصل في البلد، ويدعوه للخروج إلى العلن عبر المنابر أو الشاشات والتصريح بشكل واضح وعلني، بأن من يتعدّى على الطب التجميليّ سيواجه عقوبة الحبس لمدة 3 سنوات، وسيتم تغريمه بمبلغ مادي قيمته 50 ألف دولار أو أكثر. ويختم حديثه قائلاً: “وقتها، خلينا نشوف مين بعد رح يسترجي. عكلٍ، نحنا صرنا على النهائيات، يا بوقف بقلن في وزارة، في وزير، في بلد عندو قانون، يا منكون فشلنا والعوض بسلامتكن، وهون أنا بطلع وبدعي الأطباء يفلو من لبنان لأن هالبلد مش لإلنا، بكفي هلقد”.
إذاً، ما يحدث على أرض الواقع في هذا الملف يتخطّى الفساد، ويستدعي تشمير جميع الجهات المسؤولة عن سواعدها وإعطاء الضوء الأخضر للجم الفاسدين الذين يستهترون بحياة الناس، ويكبدونهم تكاليف وخسائر كان يمكن تلافيها، مع العلم أن البعض منهم يتحمّل مسؤولية معينة من هذه الفوضى المستشرية، ففي الطب التجميليّ لا يمكن التفتيش عن الأرخص ثمناً، وإلا لا مفر حينها من البكاء والأنين.
المصدر : خاص الملفات