December 23, 2024

التسوية ساقطة

نقلاً عن “مصادر ديبلوماسية مطّلعة” يُسوِّقون بأن “الولايات المتحدة الأميركية ترفض رفضًا قاطعًا أن تقوم بعض الكتل النيابية الحليفة لها بمقاطعة جلسات انتخاب الرئيس وقد أبلغت واشنطن بعض القوى الحليفة بهذا الموقف في حال استطاع رئيس تيار المردة الوصول إلى الأكثرية اللازمة”.

يحصل هذا في لبنان. أما في الولايات المتحدة فالأجواء تؤكد عكس ما يتم الترويج له من باب تضليل الرأي العام. فتضارب المواقف لجهة مقاربة الولايات المتحدة للملف اللبناني وتحديدا في مسألة رئاسة الجمهورية لم تعد تقتصر على تصاريح المنظومة والأقلام المدفوعة إنما تعدتها لتصل إلى الرأي العام اللبناني، لا سيما بعد توقيع الإتفاق السعودي-الإيراني، مما عزز نظرية تخلي الإدارة الأميركية عن الملف اللبناني وتسليمه “سلة واحدة” إلى فرنسا التي دخلت على خط الإنتخابات الرئاسية ووضعت أمام المعارضة واللبنانيين معادلة سليمان فرنجية- نواف سلام وإلا…

الكاتب والباحث والناشط السياسي وسام يافي المقيم في الولايات المتحدة الاميركية يقرأ في مقاربة الإدارة الأميركية  للملف اللبناني ويؤكد ان ” لبنان لا يزال في سلم إهتمامات الولايات المتحدة والكلام بأن الإدارة الأميركية سلمته لفرنسا غير صحيح”. ويرتكز في مقاربته على الرسائل التي تبعثها الإدارة الأميركية إلى لبنان والتي تعبر صراحة عن موقفها من الملف اللبناني عن طريق فرض العقوبات التي تعتبرها الأكثر تأثيراً وفاعلية.

نسأل، لكن ثمة ما يوحي بأن تداعيات العقوبات انعكست على اللبنانيين من دون أن تؤثر بالمباشر على السياسيين والأشخاص الذين طالتهم؟ ” الأرجح أن الشعب اللبناني يدفع جزءا من الثمن لكن هل يمكن أن نتصور حجم الضرر الذي سينتج في ما لو قررت الولايات المتحدة فرض عقوبات على كل لبنان؟ ويكشف يافي أن هناك من يطالب الإدارة الأميركية بتطبيقها لأن الفساد والتهريب لا يزالان سائدين ، وإذا ما أصرت المنظومة على الإستمرار في هذا النهج وتخطي المسار الديمقراطي من خلال تعطيل الإنتخابات الرئاسية والبلدية وعدم إجراء إصلاحات والمضي في الفساد، فقد تضطر الولايات المتحدة إلى اتخاذ هذه الخطوة لإثبات مدى جديتها في فرض العقوبات .ولبنان ليس البلد الأول الذي تتخذ الولايات المتحدة في حقه هكذا إجراء فهناك أمثلة عديدة منها أفريقيا الجنوبية التي يفوق عدد سكانها أضعاف عدد سكان لبنان وأسفر ذلك عن إسقاط النظام”.

حتى الآن، لا تزال الولايات المتحدة متريثة في اتخاذ قرار فرض العقوبات على لبنان وليس على أفراد وهي مستمرة في إيصال رسائل بفرض عقوبات على سياسيين وأشخاص يتعاملون مع حزب الله. إلا أن الرسائل لا تقتصر على الإدارة الأميركية إلى من يعنيهم الأمر بضرورة المعاقبة، فالرسالة الخاصة التي بعث بها السيناتوران الأميركيان روبرت  مانديز وجايمس ريتش إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، وأعربا فيها عن قلقهما من الجمود السياسي في لبنان، كما عرضا فيها مراحل العقوبات الأخيرة التي طاولت مقرّبين من “حزب الله” ومتعاونين معه، وما هو مطلوب في المرحلة المقبلة لا تقف عند حدود المكتب البيضاوي ولا تطال حصرا المنظومة الفاسدة” هذه الرسالة موجهة للبنان والفرنسيين. لماذا ؟

بحسب يافي فإن فرنسا لا تزال تسعى لإقناع السعودية كما الأوروبيين بتسوية فرنجية – سلام لكن الأكيد أن هناك معارضة أوروبية وسعودية. فألمانيا مثلا لا توافق على ترشيح فرنجية. ويلفت إلى أن هذه التسوية ستُعيد عقارب الساعة إلى الوراء وتحديدا تجربة 2016 “لكن هذه المرة في ظل ظروف إقتصادية وإجتماعية مهترئة أضف إلى ذلك اختلاف الظروف جذريا. فالرئيس السابق ميشال عون كان لديه حزب وقاعدة شعبية بغض النظر عن أخصامه من الطبقتين السياسية والشعبية. أما سليمان فرنجية فليست لديه قاعدة شعبية باستثناء أنه مقرب من حزب الله وحلفائه في الداخل، ومن بشار الأسد في الخارج وهو يعتز بهذه العلاقة وفق ما يقول في كل لقاء. أضف إلى أنه عند ترشيح عون ووصوله إلى بعبدا لم يكن هناك انهيار إقتصادي ولا تفجير المرفأ وكانت هناك دولة. اليوم لم يعد هناك أي من كل ذلك “.

في الرسالة “الخاصة” حضّ السيناتوران الأميركيان الرئيس جو بايدن “على العمل من قُرب مع حلفاء أميركا وشركائها في المنطقة لدعم العملية الديمقراطية الشرعية ومرشّحين رئاسيين، يكونون مختلفين عن الرؤساء السابقين، ويملكون القدرة على خدمة الشعب اللبناني والخضوع لمحاسبته”،. وهذه رسالة غير مباشرة لفرنسا التي تتعاطى اليوم مع الملف اللبناني بعكس رغبة الأوروبيين والولايات المتحدة وحتى السعودية  وتضع مصالحها الإقتصادية في المرفأ وليبان بوست والنفط  في سلم أولوياتها وكأنها بذلك تمارس استعمارا إقتصاديا على لبنان، في حين أن المطلوب العودة إلى المسار الديمقراطي واختيار مرشحين مؤهلين مع برامج وهذا ما تطلبه الإدارة الأميركية اليوم من اللبنانيين وتحديدا المعارضة والتغييريين.

مستغربا واقع الحال يسأل يافي: لماذا لا يقترحون أسماء لمرشحين جديين غير إستفزازيين يملكون مؤهلات الرئيس المطلوب لهذه المرحلة والقدرة على العمل مع فريق عمل الحكومة لتحقيق الإصلاحات المطلوبة؟. ويضيف”الإصرار على نفس المرشح –وهذا حال المعارضة اليوم- يشكل نقطة ضعف ، وهذا ينطبق أيضا على المنظومة في ترشيحها سليمان فرنجية . أما منطق تجنُّب طرح أسماء بديلة لتفادي “حرقها” فقد ولى بعد مرور حوالى 6 أشهر على الفراغ الرئاسي. حان الوقت لطرح إسماء مرشحين  يملكون المؤهلات مع برنامج عمل وطرحه على اللبنانيين أولا والمجتمع الدولي وهذا كفيل بوضع فرنسا والتسوية التي طرحتها على المحك.

في أروقة الإدارة الأميركية سلة أسماء ومنها ما بات معلنا وغير مخفي على أحد. قائد الجيش جوزف عون، النائب نعمة افرام، جهاد ازعور، صلاح حنين…”إلا أن الإدارة الأميركية تتفادى الدخول في الأسماء. ما يهمها أن تنطلق عجلة المسار الديمقراطي في لبنان وترشيح رئيس يملك كافة المؤهلات مع برنامج وذلك قبل أن تتلقف المنظومة سقوط إسم مرشحها وتعلن عن إسم مرشح ثانٍ . في هذه الحال كيف ستتصرف المعارضة؟

الأكيد، أن الولايات المتحدة لم تتنازل عن الملف اللبناني لفرنسا ولم ولن تسلمه لإيران كما يروج إعلام المنظومة من خلال التصويب على زيارة وزير خارجية إيران إلى لبنان يختم يافي ويكرر”حان الوقت لأن يكون هناك رئيس للبنانيين. ورهان الولايات المتحدة على لبنان الذي يشكل نقطة قوتها الوحيدة في الشرق في ظل التطورات والتغييرات الجذرية الحاصلة في إسرائيل لن يتزحزح. وعلى المعارضة والتغييرين التوافق على إسم مرشح جديد وليتذكروا جيدا بأن فكرة لبنان وهويته ليست بالكلام إنما بالعمل على طرح مرشحين وبرنامج عمل لاستعادة الهوية الحقيقية والوجه الحضاري للبنان”. 

المصدر : المركزيّة – جوانا فرحات