December 23, 2024

آلاف المباني وعائلات معرّضة للتشرّد.. من يدفع الثمن؟

خاص – موقع” الملفات”

 

بالتوازي مع انهيار المباني بسبب القصف الإسرائيلي جنوباً، هناك انهيارات من نوع آخر تتعرض لها الأبنية في مناطق مختلفة من لبنان، بسبب الإهمال والبناء العشوائي والمخالفات. كارثة تلوة الأخرى كان آخرها ما حدث في الشويفات وقبلها في المنصورية، وهي من بين مئات آلاف المباني المهددة بالسقوط والتي وصل عددها إلى أكثر من 15 ألف موزّعة بمعظمها في بيروت وطرابلس وصيدا، وهو رقم مرجح للارتفاع بمرور الزمن واستهلاك المزيد من المباني القديمة من دون ترميمها.

 

هذه الانهيارات أعادت إلى الواجهة ملف الأبنية السكنية المتهالكة، التي تقاعست الحكومات على مر الزمن عن إيجاد حلول لها وسط غياب السياسات الإصلاحية والإهمال المتمادي للأبنية القديمة وغياب الدراسات الهندسيّة للأبنية المشيدة خلافاً للقانون.

 

المهندس شاكر نون مطلق مبادرة “بلدتي” التي تعنى بشؤون البلدات اللبنانية وتنميتها والحفاظ على شروط السلامة فيها، شدد في حديث لـ “الملفات” على وجوب الكشف التقني على كل مبنى تعدّى عمره الـ 50 عاماً، لافتاً إلى عوامل كثيرة من شأنها أن تؤدّي إلى تهالك البناء، لاسيما في المدن الساحلية المعرّضة للهواء “المالح” وتقلّبات الطقس، وجميعها عوامل تؤدي إلى تهالك الباطون مع مرور الوقت، مع ظهور مؤشّرات تدل على أن هناك خطر على البناء ومنها بروز الحديد أو الصدأ فيه أو تفسيخ في الباطون، وكل ذلك يمكن التأكد منه من خلال الكشف التقني الذي تختص به الكثير من الشركات، والذي من المفترض أن يستدعيها مالك البناء في حال لاحظ أي من تلك المؤشرات في البناء.

 

واعتبر نون أن واقع الأبنية يزداد سوءاً في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور، إذا إن الناس تلجأ لتلك المباني المتهالكة والمهجورة من دون رقابة، للسكن فيها وتصر على عدم الإخلاء بسبب ظروفها المادية وعدم توفر البديل في ظل غياب السياسات الإسكانية.

كما شدد نون على أن البناء العشوائي هو أحد أبرز الأسباب لوجود هذا الخطر الدائم، حيث أن أكبر نسبة من الأبنية التي تتهالك ومعرّضة لخطر الانهيار أو تلك التي وقعت، هي الأبنية التي تم تشييدها بطرق مخالفة للقانون أي من دون خرائط أو تراخيص ودراسات، موضحاً أن الملفات التي تمرّ في نقابة المهندسين يطّلع عليها 4 مهندسين على الأقل، بالإضافة إلى الشروط الخاصة لاسيما تلك المتعلّقة بالتربة ونوعيتها وما إذا كانت صالحة للبناء أم لا. وقال: “على كل من يريد السكن في أي مبنى التأكد من توفر التراخيص وأن البناء تم تشييده وفق المعايير العلمية والقانونية ليضمن سلامته وسلامة عائلته في السنوات المقبلة”.

وفي معرض حديثه، يرى نون أن البلديات كسلطات محلية، غير قادرة على قمع هذه المخالفات لأسباب انتخابية ومناطقية، إنما ذلك يتطلّب قراراً جدياً من الدولة، وبالتالي ما يمكن أن يجري هو أن ترفع البلديات تقاريرها بشأن المخالفات، وعلى الدولة بالتعاون مع هيئة الإغاثة والجيش والأجهزة الأمنية التصرف وإخلاء تلك المباني، لأن هذا الإجراء أمر لا بد منه مهما كانت النتائج تفادياً لخسارة المزيد من الأرواح. وهنا يُذكّر نون بأن الدولة مشاركة في الجريمة منذ البداية، وذلك عندما سمحت وفقاً لعدد من التعاميم بإمكانية تشييد أي بناء لا تتعد مساحته الـ 150 متر مربع من دون مهندس.

وعن الحلول الممكنة في ظل الإفلاس الذي يعانيه لبنان، أشار نون إلى أن تطبيق نظام HLM على مستوى لبنان قد يكون أفضل الحلول، وهو عبارة عن سياسة إسكانية تعتمدها الدولة لتأمين السكن للناس التي يتم إخراجها من منازلها الآيلة للسقوط، وذلك من خلال إصدار قوانين لتحفيز المستثمرين والمقاولين على بناء مجمعات سكنية بمواصفات النظام لجهة التقسيط طويل الأمد قد يصل إلى حدود الـ 50 عاماً، إضافة إلى مواصفات بناء جيدة لا تبذير فيها، مقابل أن تكون الأراضي المخصصة للبناء مقدمة بشكل مجاني من الدولة للمستثمرين مع بعض التحفيزات المتعلّقة بإعفاءات من الضرائب، على أن تُعتمد هذه السياسة في المناطق الداخلية والأرياف لتخفيف الضغط عن المدن وتحقيق إنماء متوازن.

لكن إن وقعت الواقعة وانهار البناء فوق رؤوس قاطنيه كما حدث مؤخراً، من يدفع الثمن ومن يعوّض، هل هو مالك البناء المهمل أو المخالف، أم الدولة الشريكة بتقاعسها عن ملاحقة المخالفين؟

الحالات متعددة وحدّدها القانون، أما تبعاتها الجزائية فتختلف باختلاف السبب الحقيقي خلف الانهيار، ومن هي الجهة المسؤولة فعلياً عن ذلك، والتي يتوجّب عليها تعويض الخسائر. هنا يوضّح المحامي الأستاذ حسن بزي في حديث لـ “الملفات” أن في مسائل العقارات، اعتبر المشرع اللبناني أن مالك البناء هو المسؤول عن الأضرار، في حال كان العطل والضرر بسبب إهمال أو عدم صيانة أو سوء بالإنشاءات وتشييد مخالف للقوانين، لافتاً إلى أنه إذا كان هناك شركاء كالمهندس أو المقاول في ارتكاب الخطأ الذي تسبّب بالضرر، فإنهم يتحملّون جزءاً من المسؤولية أيضاً.

فأمّا فيما يتعلّق بالأبنية المؤجّرة، فأشار بزي إلى إشكاليات كبيرة قد تشوب أي قضية ناتجة عن انهيار مبنى مؤجّر وفقاً للإيجارات القديمة، إذ إن القانون  يوجب على المستأجر أن يدفع جزءاً من إيجاره لتأهيل المبنى، لكن في الأزمة الأخيرة أصبحت قيمة الإيجارات القديمة لا تكفي ثمن المياه للمبنى، الأمر الذي يجعل مسألة تحديد المسؤولية معقدة، فمن جهة يتحمّل المالك مسؤولية عدم قيامه بالصيانة اللازمة، ومن جهة أخرى فإن المستأجرين يدفعون بدل إيجار رمزي فيما يحمون أنفسهم متذرعين بالقانون الذي حدّد لهم بدل الإيجار.

كما يمكن، بحسب بزي، أن يتحمّل المتضرر بنفسه مسؤولية الضرر، في حال قام بفعل أدى إلى وقوع الضرر، وتم التثبّت من ذلك من خلال التقرير الفني.

وأشار إلى أن المسؤولية على مرتكب الخطأ الذي أدى إلى الضرر، تشمل المسؤولية المدنية المتعلّقة بالتعويضات،إضافة إلى المسؤولية الجزائية في حال وقوع ضحايا، ويمكن أن تكون العقوبة غرامة مالية وصولاً إلى الجناية والحبس إلى حد الـ 5 سنوات وذلك تبعاً لكل حادثة ونوع الضرر وأسبابه.

وبالنسبة للمسؤولية المترتّبة على الدولة، أكد بزي أن الحالة الوحيدة التي تتحمّل فيها الدولة ذلك وتكون ملزمة بالتعويض، هي عندما تسمح بإنشاء بناء مخالف ومن دون ترخيص، ولا تقوم بواجبتها لوقف أعمال التشييد، ما أدى فيما بعد إلى انهيار البناء لأنه لم يراع الأصول.

المصدر : خاص – موقع “الملفات”